الإمبراطور العاري:

[hannibal]

الإمبراطور العاري:

العار... هذا هو اللفظ الوحيد الذي يمكن أن نصف به ما حدث على الحدود المصرية منذ أيام... ومع استشهاد من لا ذنب لهم على الحدود المصرية كالعادة لا يتغير أي شيء في مصر سوى مجرد رتوش ومسكنات نحاول بها أن ننسى ما مضى ونحاول كذلك أن نوهم أنفسنا بالعكس...
هناك حدوتة قديمة جداً تتحدث عن إمبراطور غبي جداً وشعب أغبى منه... كل الدعاية اليومية للإمبراطور تصر على أنه رجل شديد الذكاء والقوة وكذلك شعبه العظيم الذي لا يهزم... ذات يوم أتى له اثنان من النصابين وقالا بأنها سوف يصنعا للإمبراطور ثوباً خاصاً لا يراه إلا الأذكياء من الناس؛ أما الأغبياء فلن يروا أي شيء... هكذا خرج الإمبراطور على الناس وكلهم يشهقون في انبهار وكلهم يحاول أن يبدو ذكياً ويصر على أنه يرى ثياب الإمبراطور الجديدة... ولكن، من بين الحشود وقف طفل صغير لا يعرف النفاق ولا المداهنة... هكذا ضحك الطفل بصوت عالي جداً وهو يقول "الإمبراطور عاري"... هذه هي الحقيقة.. نحن بد عاري ولا دليل على أي بطولة مصرية سوى من درسناه في الكتب المدرسية التي – دعني أصارحك – أعتقد أنها جديرة بالشك لأننا نحن من كتبناها، ولا دليل على قوة جهاز مخابراتنا ولا على جيشنا العظيم سوى ما نراه في مسلسلات رأفت الهجان وناجي عطا الله وجمعة الشوان... ولكن يبدو أن السادة في جهاز مخابراتنا العظيم لا يقدرون على أي شيء سوى تدمير كاميرات فيديو تسجيل ما حدث في جمعة الغضب في التحرير وما حدث من حرق لوثائق أمن الدولة... هل يذكرك ما حدث بمقولة "أسد عليّ وفي الحروب نعامة"...
ما حدث على الحدود يمكن تفسيره بأكثر من رؤية وزاوية ولكن الحقيقة ذاتها لا نعرفها أبداً كما هي العادة في بلدنا الحبيب.... ماذا؟ ألا تصدق؟ تعال فكر معي بمنطق قليل وقل لي من فضلك: من المسئول عن حادث تفجير كنيسة القديسين في بداية عام 2011؟ لا تقل لي من فضلك أن العادلي هو المسئول عنها بدون أن يتم إجراء تحقيق في الموضوع... من المسئول عن تعرية الفتاة في التحرير؟ من المسئول عن تلويث الأراضي والأطعمة المسرطنة التي دخلت مصر؟ هل ترى هناك داعياً الآن لأذكرك بصفر المونديال ومن المسئول عنه؟ حسناً... لا حقيقة تظهر في بلادنا... ألم أقل لك إن الإمبراطور عاري ولم تصدقني..
لا يتبقى أمامي هنا سوى الأخذ بمنطق محمد حسنين هيكل العظيم وأحاول أن أسأل نفسي عن المستفيد مما حدث؟

• أكثر المناطق سوداوية وأكثرها تشاؤما يقول أن المسئول الوحيد عما حدث هو المجلس العسكري.. لماذا؟ لأن المجلس العسكري بعملية كهذه يتفق مع مرسي – لاحظ الاجتماعات المتكررة لمرسي في الفترة الأخيرة مع سامي عنان – وكنتيجة لعملية كهذه يثبت مرسي أنه رئيس قوي ويعزل جميع أعضاء المجلس العسكري ويلغي الإعلان الدستوري المكمل كما ترغب جماعته ومرشده مقابل الخروج الآمن للمجلس العسكري، وما يدلك هنا على ذلك هو خروج مظاهرات التأييد لقرارات مرسي (الحكيمة) ولكن هذه المظاهرات (الشديدة الوطنية) هي أيضاً ذات المظاهرات التي لم تخرج عند قتل هؤلاء الجنود على الحدود... لماذا لم تخرج المظاهرات لقتل الجنود كما خرجت لتعرية فتاة التحرير؟ أعتقد أن هذه نقطة جديرة بالتأمل.

• الجماعات التكفيرية في سيناء؟ لا أعتقد... هذه الجماعات موجودة في سيناء منذ سنين عديدة ويمكن أن يكون اعتدائها على الشرطة أمراً طبيعياً لما شهدوه على يد الشرطة في النظام السابق من عنف لا مبرر له، فلماذا تقرر هذه الجماعات الهجوم على أفراد الجيش مرة واحدة؟ ولما تقرر هذا الآن بالذات في ظل أوضاع ينادي فيها الشعب كله بالأمن كما أنهم يعرفون أنهم سيكونون صيداً سهلاً في أيدي القوات المسلحة النظامية عند أي مواجهة.... ولكن السؤال المحير هنا هو أن أطنان السلاح التي يتم تهريبها عبر الحدود من ليبيا والتي نقرأ عنها كل يوم في الجرائد لصالح من وضد من؟ من سوف يقف خلف المدافع ومن سيقف أمامها؟ هذا سؤال محير للغاية من وجهة نظري إذا كان السلاح يتم تهريبه من خارج مصر إلى داخل مصر.

• إسرائيل.... منطق جدير بالدراسة لأن إسرائيل هي من حذرت من الهجوم قبله كما أعلنت صحفها قبل الهجوم بثلاثة أيام وقالوا أنهم أخبروا السلطات المصرية والمخابرات العامة وصرح مراد موافي مدير المخابرات السابق أنه أبلغ القيادة ... بالتأكيد لم يكن مراد موافي سيذهب ليبلغ لواء في الجيش مثلاً ولكني أفترض أنه أخبر المجلس العسكري ثم يقول لك كلمته الرهيبة فعلاً (لم نتصور أن يقوم مسلم بقتل أخيه المسلم في رمضان عند الإفطار)... يا نهار اسود... هذا ليس منطق مخابراتي أبداً بل هو جدير بمنطق أم دلال بائعة الخضار على الناصية، وهذا يخبرك من جديد عن عقول رجال مخابراتنا (العظماء)... بعد ذلك قامت إسرائيل بسحب رعاياها من سيناء كالعادة (كما حدث في تفجيرات طابا من قبل) وقامت بتصفية من أطلقت عليه أحد العناصر الذي كان يقود موتوسيكل في غزة ثم بعدها بدقائق تنطلق طائرتان من طراز F16 لتقوم بقصف من نفذوا العملية في غزة، وهذا كما يقول فهمي هويدي أن أكثر ما أسعد إسرائيل هو تأليب الرأي العام المصري على الرئيس الجديد وحركة حماس وكذلك إغلاق المعبر وهو أمر يهم إسرائيل كثيرا.

• الإرهاب.... بالطبع نعلم منذ حوادث الأقصر في التسعينات عندما تم ذبح 58 سائح بالسكين في عملية إرهابية وكان رد مبارك عنيفاً جداً وقتها وقال أن خطة التأمين كانت خطة تهريج ووقتها طارت رؤوساً كثيرة في هذه العملية وتولى حبيب العادلي وزيرا للداخلية بعد أن كان مديرا لجهاز أمن الدولة... الإرهاب موجد فعلاً ودعني أذكرك بالشيخ الذي لا أذكر اسمه والذي دعا على قناة فضائية قائلا (حي على الجهاد على المجلس العسكري) أيام مظاهرات العباسية وأمام وزارة الدفاع... الإرهاب موجود فعلاً، وكنت منذ يومين فقط أجلس مع أحد الشيوخ (حاصل على الدكتوراه في الفقه المقارن بالمناسبة) وراح يقسم لي أن الجندي الواقف على الحدود كافر وأن المجلس العسكري كافر وأن مصر كلها دولة كافرة حتى لم يبق في مصر كلها مؤمنين سواه وسواي وبالطبع لو لم يكن يحدثني لكان قد نعتني بالكفر وأهدر دمي مع من أهدر دمهم.

• التهريج المصري.... هذه نقطة رهيبة وجديرة بالتناول فعلاً ... من أدوا الخدمة العسكرية يعرفون جميعاً أنه عند تناول الطعام لا يمكن أن يجلس الجميع معاً لتناول الطعام أثناء الخدمة وبالتالي يجب أن تتناول طعامك في (محل خدمتك) ولكن في حادثة كهذه ترى أن نقيب وملازم أول وملازم ومجموعة من الجنود جلسوا معاً لتناول الطعام في ذات اللحظة .... صحيح أننا في رمضان ولكن من الناحية العسكرية والدينية أيضاً دعني أذكرك بهذه الآية الكريمة من سورة النساء الآية رقم 102:

(وإذا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً) صدق الله العظيم.

• يتبقى معك في قائمة المستفيد من يستفيد من فشل حكومة مرسي، وهذا أمر يعيدك إلى داخل الدولة ويضعك وجهاً لوجه أمام مع الفلول الذين يمكنهم التنسيق مع الجماعات التكفيرية في سيناء بالطبع...

من يعرف الحقيقة فيما سبق؟ بالتأكيد ستجد مسئولاً ما في جهاز المخابرات المصري يقرأ الآن ملفاً به كل الحقائق ولكنها الحقائق التي لن نعرفها نحن أبداً... لماذا؟ لأن الإمبراطور عاري منذ البداية يا صديقي ولابد أن نتظاهر جميعاً بالذكاء لكي لا تطير رقابنا.