العهد القادم:

[hannibal]

العهد القادم:

يحكي العبقري سامي السلاموني عن الممثل الرائع خفيف الظل توفيق الدقن بعض المواقف التي لا يمكنك أن تصدق كونها حقيقة لولا أن سامي السلاموني بنفسه هو من يحكيها.... يقول أن توفيق الدقن برع بشدة في تمثيل أدوار الشر، حتى والدته قد توفيت بعد قدومها من المنيا إلى القاهرة وحكي لها الناس – البسطاء – عن جرائم ابنها الشنيعة والتي كان الناس مهووسين بها لدرجة غير مسبوقة. ومن جديد يحكي سامي السلاموني واقعة أخرى عن توفيق الدقن أيضاً الذي كان في بداية حياته المهنية وشاع اسمه بشدة في أدوار الشر، وعندما سكن في العباسية كان الدور الأرضي للعمارة التي يسكنها به محل جزارة وعندما رآه الجزار طارده في الشارع منادياً على الناس هاتفا "امسكوا الباز أفندي" وهو الاسم الذي اشتهر في فيلمه خفيف الظل ابن حميدو.
هذا يدل بشدة على أن السينما تؤثر في الناس بقدر ما يؤثر الناس في السينما، وفي كثير من الأحيان تتشابه الأيام مع الأفلام السينمائية بصورة لا تصدق.... من لا يعجبه هذا الكلام يمكنه مراجعة أحداث الثورة المصرية ورؤية الفيلم الأجنبي الشهير (V for Vendetta) ولعل هذا يؤكد مقول أوسكار وايلد (الطبيعة تقلد الفنان أحياناً).
هذه الأيام نجد فكرة مشابهة، عندما يتقدم محامي مغمور بدعوى قضائية ضد عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان... وبغض النظر عن رأيي في عادل إمام فأنا أرى أن المحامي لم يهدف سوى نيل الشهرة وحسب ولا أرى فيما قدمه إمام ما يزدري الدين الإسلامي من قريب أو بعيد.... المحامي يمارس بالضبط ما فعله كثيرون سواه ومن هم أعظم منه بكثير... القاعدة في هذه اللعبة تقول (اشتم الكبير ليحسب لك أنك فعلتها) وهي قاعدة لا تخيب كثيراً في بلادنا... فعلها طه حسين من قبل من المتنبي وقال في أول حياته وقدم شرحاً كبيرا ودراسة مؤداها أن المتنبي شاعر غير موهوب على الإطلاق .... لاحظ أن طه حسين هنا كان يتحدث عن المتنبي الذي قال فيه أبو علاء المعري نفسه (المتنبي أشعر شعراء العرب) وأيضاً مقولة ابن رشيد القيرواني ذاته (أتى المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس).... طه حسين وقتها اشتهر كثيراً بسبب مهاجمته للمتنبي ونفس اللعبة لعبها العقاد مع أحمد شوقي أمير الشعراء....
المحامي الذي رفع الدعوى على إمام كان يرغب في هذه الضجة ولكن الحقيقة أن التاريخ يقرر وقتما يحب فقط أن يعيد نفسه وليس بالضرورة تترتب نفس الأحداث على أحداث بعينها... كان المحامي والقاضي مرتضى منصور قد لعب لعبة مماثلة مع عادل إمام أيضاً عند عرض فيلم الأفوكاتو وكانت التهمة وقتها هي أن عادل إمام أساء للمهنة.... بعد هذا الموضوع اشتهر مرتضى منصور جداً ولعل هذا كان الهدف من البداية.
لو أردت رأيي يمكنك رؤية هذا في مواقف كثيرة جداً إذا أمعنت النظر.... هل تذكر نائب مجلس الشعب الذي رفع أذان الصلاة في قاعة المجلس؟ لا تقل لي من فضلك أن هذا هو واجب المسلم، فمجلس الشعب به مسجد كبير جداً وبه مكبرات صوت يمكنك سماعها من قاعة المجلس بل وحتى في خارج المجلس، والرجل الذي رفع الأذان لم يكن يقدم أي شيء سوى (شو) إعلامي ليكسب نقطة لدى جمهور ما.
من جديد هل تذكر زياد العليمي، نائب مجلس الشعب الذي سب المجلس العسكري؟ دعني أذكرك بأمر واحد وهو أن النائب الذي سب المجلس العسكري كان يهتف من قبل (الجيش والشعب إيد واحدة) فلماذا قرر فجأة أن (يسقط يسقط حكم العسكر)؟ إجابة هذا السؤال وحده تكشف حالة مصر الراهنة.
عندما يرفع محام دعوى على فنان لأنه (على حد قوله) يزدري الدين الإسلامي، فهذا يعني بالضرورة أنه كان من الواجب محاكمة محمود مرسي؟ لماذا؟ ألا تذكر دوره في فيلم فجر الإسلام عندما مثل دور أبو جهل؟ لابد إذن أن يعاقب محمود مرسي – رحمه الله – على تعذيبه للمسلمين.... أليس هذا منطبقاً على ما يريد المحامي قوله؟
يقول دارسو الدراما أن هناك عقداً غير مكتوباً بين الممثل والمشاهد يقول (دعني أخدعك... دعني أنخدع) ولو لم يحاول المشاهد أن (يعيش الدور بنفسه) فلن يكون هناك جماهير إذن لأفلام مثل سوبرمان ومملكة الخواتم.... لماذا؟ يا راجل... هل هناك أحد يطير؟
المشكلة أن المحامي لم يقدم أي شيء سوى كلام مرسل واقتباسات من أفلام عادل إمام – أهمها دوره في طيور الظلام – وقال أنه يزدري الإسلام.... إذا أراد أن يتحرى الدقة في قوله لقال (يسخر من فكرة الإسلام السياسي) لو أردت رأيي.... أؤكد هنا من جديد أنني لا أرى في عادل إمام الممثل الموهوب بنفس قدر أحمد زكي وأن من ربح كثيراً في هذه المعركة هو عادل إمام نفسه.... المحامي الذي رفع الدعوى لا تكاد تذكر اسمه بل إن الأمر الذي يتداعى إلى ذاكرتك فوراً هو (قضية على عادل إمام) ولن يربح المحامي ما ربحه طه حسين ولا العقاد من قبل ولا حتى مرتضى منصور.
ثم لماذا نعيد تطبيق القانون بأثر رجعي؟ النظام السابق لم يحاول قط التعرض لعادل إمام لأنه أدرك أنه إذا تعرض عادل إمام لاضطهاد بسبب إهاناته المتكررة للنظام – يمكنك مشاهدة فيلم الإرهاب والكباب وطيور الظلام مثلاً – لأنه في هذه الحالة سوف يحول عادل إمام إلى بطل قومي وهذا ما لم يسع إليه النظام السابق قط. وهذا أيضاً هو السبب الذي من أجله لم يتم معاقبة زياد العليمي على سبه للمجلس العسكري.
ثم لو كان الأمر غيرة على الإسلام حقاً لماذا لم يرفع دعوى على دينا؟ على غادة عبد الرازق؟ ألا ينطبق عليهم مثلا ما ينطبق على المفسدين في الأرض؟ لماذا تصر دول خليجية (معينة) على تصدير فكرها الوهابي إلينا؟ لماذا تجد من ينصحك دائماً بأن الجنة لن تدخلها ما لم تطلق لحيتك ولم يفكر مرة في أن ينصحك بالحفاظ على الصلاة؟ لماذا يصر بعض (مدعو الثورة) على الاعتصام في التحرير من أجل رجل كاذب ومضلل ومزور ولم يفكر أحدهم دقيقة واحدة في أن هذه فتنة؟ لماذا لا نرى الحقيقة كاملة مرة واحدة؟ لماذا تجدهم دائماً في رمضان يجعلون الفانوس الرمضاني هو شغلهم الشغل لأن الفانوس (عادة شيعية) وليست من الإسلام دون أن يتذكروا الحديث عن الصيام مثلا؟ لماذا تجد بعضهم في الاختناقات المرورية هذه الأيام يمر عليك ويقدم لك صورة مرشح ما ويقول لك (بالله عليك يا أخي تنتخبه) ولم يفكر في الوقوف دقيقة لتنظيم المرور؟ لو عرفت هذا الإجابة تعرف على الفور مستقبل مصر هذه الأيام.
في النهاية أقول أن الدعوى المرفوعة على عادل إمام ليست عادلة، فهي دعوى مرفوعة على شخصية في فيلم مثل فتحي نوفل في فيلم طيور الظلام وليست على عادل إمام نفسه؛ وإلا فسوف يأتي اليوم الذي نجد فيه من يرفع دعوى على ممثل لأدائه دور أبو لهب مثلا ويطالب بتطبيق حد الردة عليه.