العودة   مصر موتورز مجتمع السيارات > النادى الثقافى الاجتماعى > ثورة الحرية 25 يناير

ثورة الحرية 25 يناير ساحة ثورة الحرية 25 يناير تحوى كل الموضوعات المتعلقة باﻷحداث التى مرت و تمر بها مصر الغالية منذ هذا اليوم و حتى اﻵن ... و هى ساحة الحوار السياسى الراقى و المسئول


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #236  
قديم 04-10-2012, 05:27 PM
الصورة الرمزية silverlite
silverlite silverlite غير متواجد حالياً
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
silverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond repute
افتراضي رد: التراس برادعاوى ,,حزب الدستور ,,

سنوات الخداع (17)


د. محمد البرادعى


قررت أن أتخذ موقفًا إيجابيًّا إزاء كل ما يجرى، فاصطحبت فريقًا من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوجهنا إلى طرابلس فى زيارة استغرقت الأيام القليلة التى تفصل بين عطلة عيد الميلاد ورأس السنة. واصطحبَنَا الليبيون إلى مستودعات المعدات النووية، حيث وجدنا أن برنامجهم كان محدودًا. قيل لنا إنهم كانوا قد بدؤوا تركيب عدد قليل من أجهزة الطرد المتتابعة لاختبارها فقط، وإن مجموعة من تسعة أجهزة هى فقط التى اكتملت، وإن أيًّا منها لم يختبر بمواد نووية. وقال لنا الليبيون إنهم لم يقتربوا بعد من الوصول إلى مراحل الإنتاج الصناعى، كما أنه ليس لديهم برنامج لصنع سلاح نووى.
وكان من الواضح أن ليبيا لديها نحو عشرين جهاز طرد كامل ومكونات لمئتى جهاز آخر من طراز «P–1»، وهو الجيل الأول من الطراز الباكستانى الذى رأيناه فى إيران، وأنها كانت قد طلبت عشرة آلاف جهاز من طراز «P–2» الأكثر تقدمًا، ولكن العديد من مكوناتها الرئيسية لم يكن قد سُلّم بعد. ويبدو أن عبد القدير خان قد حاول المساعدة عن طريق إحدى الشركات فى جنوب إفريقيا، ولكن مسعاه لم ينجح فلجأ إلى شركة أخرى فى ماليزيا، ولكن الليبيين كانوا قد كشفوا عن برنامجهم قبل تصنيع هذه المعدات.
وفى تصريحات صحفية حول ما رأيتُ فى ليبيا وصفتُ حال البرنامج النووى لطرابلس بأنه فى أولى مراحله. غير أننى بالرغم من ذلك كنت قلقًا، حيث إن معدات تحويل اليورانيوم كان قد تم تركيبها بأسلوب منهجى ومنظم فى شكل وحدات، الأمر الذى يدل على أن طرابلس كانت قد حصلت على مساعدة فنية جيدة ومتقدمة من جهة ما، وأن من وضع هذا التصميم السهل ربما يكون فى ذهنه أن يتكرر ذلك مع دول أخرى.
ولم يكن أحد يعلم على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين نقل لهم عبد القدير خان ما لديه من معلومات، رغم كثرة ما سمعناه من آراء وشائعات، وفى الوقت نفسه كان القليلون فى ليبيا هم الذين يعلمون حجم المبالغ المالية التى حصل عليها خان نظير الخدمات التى قدمها إلى ليبيا. وبالتالى فإن السؤال المُلِحّ فى أذهاننا جميعًا كان يدور حول العملاء الآخرين الذين استطاعوا التعامل مع هذه الشبكة السرية للإمدادات النووية وتوافرت لهم الموارد المالية اللازمة لدفع مقابل هذه الخدمات.
وبينما كنت فى ليبيا تلقيت دعوة للقاء العقيد معمر القذافى؛ وهو اللقاء الذى تم فى ثكنة باب العزيزية العسكرية فى وسط طرابلس.
وانتظرتُ لقاء القذافى فى غرفة باردة، وكنت سعيدًا بارتداء معطفى فى هذه اللحظات. ثم جاء لتحيتى واحد من أقرب معاونى القذافى؛ وهو بشير صالح بشير الذى أكد لى التزام ليبيا بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعاونًا كاملا. وبعد فترة قصيرة دخل وزير الخارجية عبد الرحمن شلقم إلى الغرفة ودعانى إلى الدخول للقاء العقيد القذافى. وتم اصطحابى إلى غرفة جيدة التدفئة، بها القليل من الأثاث ومكتب كبير ومكتبة واسعة بها مجموعة قليلة من الكتب العربية المتناثرة على رفوفها.
وخلف هذا المكتب كان العقيد القذافى يجلس مرتديًّا جلبابًا ليبيًّا تقليديًّا، ودعانى أنا وشلقم لنجلس على المقاعد المواجهة للمكتب من الناحية الأخرى. ولقد تحدث القذافى بصوت خفيض أكثر مما توقعت، وجاء حديثه به قدر من الود وأيضا قدر من التحفظ.
وما زلت أتذكر بوضوح الكلمات الأولى التى قالها لى خلال هذه الجلسة: «الحقيقة أنا لا أفهم لماذا تكرهك الحكومة المصرية! لقد قال لنا المصريون إنهم يستطيعون مساعدتنا فى تفكيك برنامج أسلحتنا النووية بصورة أفضل من الوكالة الدولية التى ترأسها، ومن العاملين فيها».
ثم سألنى القذافى إذا ما كنت ناصريًّا. وقال: «لقد نشأتَ فى زمن عبد الناصر ولا بد أنك من أشد معجبيه؟»، فأجبتُه بالنفى؛ وهى الإجابة التى ربما خيبت آماله، لأنه كان ينظر إلى عبد الناصر على أنه مثله الأعلى، وأضفت قائلا «إن عبد الناصر كانت لديه أفكار ومبادئ جيدة جدّا، لكن كثيرا من هذه الأفكار وهذه المبادئ أخفق فى التطبيق العملى».
ثم بدأ القذافى يتحدث عن قراره تفكيك الأسلحة النووية التى بحوزة ليبيا، بعد أن وصل إلى قرار أن مثل هذه الأسلحة لا تسهم فى زيادة الأمن الليبى. وأعرب القذافى عن اعتقاده بأنه لا ينبغى لأى دولة، سواء فى الشرق الأوسط أو فى العالم بأسره أن تقتنى الأسلحة النووية. ولقد اتفقتُ مع هذا الطرح بالكامل وبكل حماس. ثم بدأ القذافى يتحدث عن أمور أخرى، بما فى ذلك مكانة ليبيا التى كان يرى أنها على صغر حجمها -من وجهة نظره- لها مكانة كبيرة على ساحة السياسة الدولية، وأخذ يسوق بعض الوقائع للتدليل على ما قاله، ولم تكن كل هذه الوقائع إيجابية على كل الأحوال.
وبدا لى مما قاله القذافى أنه غير متابع لتطورات التحالفات والتغييرات على الساحة الأمنية فى العالم، ومن ذلك أننى عندما تحدثت إليه عن مظلة التأمين النووى لحلف الأطلسى (الناتو) فإنه أمسك بقلم رصاص وبدأ يدون بعض الملحوظات.
والحقيقة أن القذافى تحدث بحماس خلال هذا اللقاء عن رغبته فى تطوير ليبيا، وعن رغبته فى تحسين البنية التحتية، وبناء مزيد من الطرق، وكذلك عن رغبته فى أن يحصل الطلاب الليبيون على مِنح دراسية فى الجامعات الغربية، وأن تحقق ليبيا تقدمًا فى مجال العلوم والتكنولوجيا. وسألنى القذافى عما إذا كنت أستطيع أن أثير هذه الأمور مع «جورج بوش» و«تونى بلير» لأحصل على دعمهما لأفكاره بالنسبة إلى مستقبل ليبيا.
وخلال اللقاء نفسه طلب منى القذافى أن أُدلى بتصريحات تفيد بأن ما قامت به ليبيا ينبغى أن يكون مثلا يُحتذى لغيرها من دول الشرق الأوسط، بما يمكن أن يجعل هذه المنطقة خالية من الأسلحة النووية. وأكدت للقذافى دعمى جهود إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، كما وعدته أن أتحدث مع الأمريكيين والبريطانيين عن تقديم الدعم الاقتصادى لليبيا. وبالفعل فقد أثَرْت هذا الأمر مع «جاك سترو»، وزير الخارجية البريطانى، وعدد من المسؤولين الأمريكيين الذين وعدوا بأن يُبدوا تجاوبا إزاء الاحتياجات الليبية، حيث كانوا يرون أنه من مصلحة الجميع أن تحقق ليبيا نقلة نوعية اقتصادية ومالية بما يسمح بتطبيع العلاقات بين طرابلس والمجتمع الدولى.
ولم تكن زيارتى ليبيا، والتى أتت مباشرة بعد الإعلان الذى قام به «بوش» و«بلير»، مُرحّبًا بها من قِبل جميع المعنيين فى واشنطن، حيث أراد بعض المسؤولين الأمريكيين أن يحصلوا وحدهم على التقدير الكافى للكشف عن برنامج ليبيا السرى لأسلحة الدمار الشامل وأن يتفاوضوا هم مع طرابلس من أجل تفكيكه وإنهائه.
وبالنسبة إلى فإن مسألة التقدير لم تكن ذات بال، وما كان يشغلنى فعلا فى هذا الصدد هو أن أمريكا وبريطانيا لم تقوما بالوفاء بالالتزامات المقررة عليهما بوصفهما طرفين فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فى ما يتعلق بوجوب إبلاغ الوكالة عن البرنامج السرى الليبى للأنشطة النووية. ولكن بعد أن حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على هذه المعلومات أصبح لزاما عليها أن تقوم بواجبها القانونى بمتابعة هذا الملف.
وفى 2 يناير 2004، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تصريحات لرئيس الوزراء الليبى شكرى غانم يطالب فيها الولايات المتحدة الأمريكية بالوفاء بما تعهدت به من التزامات بموجب الصفقة التى قامت ليبيا على أساسها بتفكيك برنامجها للأسلحة النووية، وأهمها رفع العقوبات التى طال عليها الأمد، ومن بينها أن تقوم واشنطن بإنهاء الحظر المفروض على شركات النفط الأمريكية إزاء التعامل مع ليبيا، وكذلك أن ترفع الحظر عن أرصدة ليبية قيمتها مليار دولار أمريكى. وأشار غانم فى نفس التصريحات إلى أن ليبيا ترى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هى المسؤولة عن تفكيك برنامج التسلح النووى الليبى.
ولأن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من زيارتى ليبيا فلقد أثارت بالطبع الحساسية الأمريكية. كما نقلت «نيويورك تايمز» فى نفس المقال الذى تضمن تصريحات غانم، تصريحات منسوبة إلى مصدر بالإدارة الأمريكية وصف فيه زيارتى ليبيا بأنها «محاولة غير موفقة للدعاية». وحسب ما نقلته «نيويورك تايمز» عن المسؤول نفسه فإن تفكيك البرنامج الليبى للأسلحة النووية سيتولاه خبراء أمريكيون وبريطانيون. وبدا من تصريحاتهم أن الولاية القانونية الصريحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى ما يتعلق بالتحقق من الأنشطة النووية فى الدول الأطراف فى المعاهدة لم تكن أمرًا يدخل فى الحسبان لديهم.
كما أن الأمريكيين لم يرُق لهم ما صرحتُ به بأن الوصف المبدئى للبرنامج النووى الليبى يوضح أن هذا البرنامج فى مراحله الأولى وبالنسبة إليهم فإن دور المخابرات الأمريكية والبريطانية فى الكشف عن البرنامج الليبى النووى كان سيكون أكبر لو أنه تم تصوير هذا البرنامج على أنه فى مراحل متقدمة، وأنه يمكن لليبيا أن تكون قريبة من إنتاج أسلحة نووية. وفى كل الأحوال فإن تقييمى الأول تَوافق مع ما خلص إليه خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذين قاموا بزيارات متتالية إلى ليبيا فى الأسابيع والشهور التالية لزيارتى، للتحقق من تفاصيل وطبيعة البرنامج الليبى.
والمثال الجيد على ذلك هو منشأة تحويل اليورانيوم فى صلاح الدين. فقد تبين أن العلماء الليبيين كانوا يعملون من الثمانينيات على مستوى الاختبارات المعملية والتجريبية فى أنشطة تحويل اليورانيوم بمساعدة أحد العلماء الأجانب. وفى سنة 1984 طلبت ليبيا من الخارج معدات منشأة تجريبية لتحويل اليورانيوم فى شكل مكونات محمولة تسلمتها فى 1986، ثم تم تخزينها فى مواقع مختلفة بالقرب من طرابلس حتى سنة 1998 عندما تم تجميعها جزئيًّا ونقلها إلى موقع الخلة. وفى فبراير 2002 بدأ العلماء الليبيون اختبارات «على البارد»، لكنهم عادوا بعد شهرين، وبسبب مخاوف من اختراقات أمنية، بتفكيك المنشأة وتعبئة كل مكوناتها وشحنها إلى موقعها الحالى فى صلاح الدين.
فماذا كان حجم قدرات تحويل اليورانيوم فى موقع صلاح الدين؟ دلت تحاليل العينات التى أخذناها، على أن ليبيا لم تستخدم اليورانيوم فى أى وقت فى هذه المنشأة. وكانت الوحدة التجريبية ذات قدرة محدودة، وليس بإمكانها إنتاج غاز «هيكسا فلورايد» من اليورانيوم، وهو مادة التلقيم اللازمة لتخصيب اليورانيوم. وحتى على المستوى المعملى لم يقم العلماء الليبيون بإنتاج «UF6» محليًّا.
كذلك فإن دورة الوقود النووى لديهم كانت محدودة النطاق والقدرة، كما كانت تفتقر إلى الخبرة العملية. ولم تكن هناك أى عمليات تعدين أو طحن، فقد اقتصرت قدرات التخصيب لديهم على عدد محدود من أجهزة الطرد التى لم يكن بها أى مواد نووية سواء للإنتاج أو لمجرد الاختبار. لقد اشتروا ورش آلات دقيقة لإنتاج أجهزة الطرد محليّا. لكن أجزاءها ظلت فى صناديقها التى تم شحنها فيها. وفى المفاعل البحثى فى تاجورا قاموا بتشعيع عدة مجموعات من أجزاء اليورانيوم معظمها لا يزيد على جرام واحد، وقاموا بفصل البلوتونيوم من اثنين منها بكميات ضئيلة للغاية. ولم يقوموا بأى عمل يتعلق بالتسلح النووى. كانوا قد تلقوا تصميمات، ولكن هذه التصميمات ظلت حبيسة «الأكياس» التى جاءت فيها وظلت محفوظة كما هى فى خزينة معتوق.
وبينما كان عمل مفتشى الوكالة ما زال فى بداياته فقد كانت وكالات الأنباء الغربية تنقل عن مسؤولين فى بريطانيا وأمريكا أن خبراء من البلدين فى طريقهم إلى ليبيا لتفكيك برنامجها للتسلح النووى وشحن المعدات إلى خارج ليبيا. فما كان منى إلا أن اتصلت بمندوب بريطانيا لدى الوكالة «بيتر جينكنز» وقلت له بصراحة ودون مواربة إنه فى حال حدوث ذلك قبل أن تنهى الوكالة عملها، فإننى لن أتردد فى الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس محافظى الوكالة لأخبرهم «أننى بسبب تدخلات بريطانيا وأمريكا فإننى لم أعد قادرًا على القيام بالمسؤوليات القانونية التى تقع على عاتقى بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأرجوك أن تبلغ حكومتك بموقفى هذا». كنت قد سئمت من تلك الألاعيب وقررت أننى لن أبقى صامتًا.
وبعد أيام قليلة اتصل بى «كولين باول» ليخبرنى أنه سيرسل «بولتون» ونظيره البريطانى «ويليام إهرمان» إلى فيينا ليتناقشا معى حول سبل التعاون بشأن الملف الليبى. وقال لى «باول»: «إنه ينبغى علينا أن نحترم اختصاص الوكالة؛ فى إشارة إلى التفويض القانونى للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمقتضى معاهدة منع الانتشار». ثم أضاف «باول»: «وبالطبع نحن أيضا لدينا مصالحنا».
وأجبته: «إننى أتفهم ذلك، ولكننى فى الوقت نفسه لدىّ تفويض من قِبل الدول أعضاء الوكالة ولا يمكنى بأى حال التفريط فيه».
وقد قرر «باول» أن يتوقف عند هذا الحد، وأبلغنى أنه التقى «بولتون» صباح اليوم وأن «بولتون» «يتطلع جدّا للقائى»!
لم أكن واثقًا من مسألة تطلع «بولتون» للقائى، لأننى أتذكر من خلال لقاء سابق لى معه، لدى توليه منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولى، قوله إنه سيضطر إلى العمل بطريقة مخالفة لما كان يكتبه، مشيرًا بذلك إلى انتقاداته اللاذعة حول الأمم المتحدة ومنظماتها. ولكن رسالة «باول» المبطنة لى كانت مطمئنة، وهى أن «بولتون» قادم إلى فيينا بتعليمات محددة بأن لا يثير المشكلات.
وفى الحقيقة فإن اللقاء الذى تم بينى وبين «بولتون» بعد هذه المكالمة اتسم بالمهنية. وقد بدا «بولتون» حريصًا على التوصل إلى اتفاق، وبدورى قلت له إننى لا أعتزم التنازل عن الصلاحيات الممنوحة للوكالة ولا عن المسؤوليات المنوطة بها. وفى خلال هذا اللقاء اتفقنا على أن الوقت سيُترك لمفتشى الوكالة للانتهاء من عملهم المتعلق بالتفتيش والتحقق وأخذ العينات، ثم ستتاح الفرصة بعد ذلك للخبراء من أمريكا وبريطانيا لأن يقوموا بتفكيك برنامج ليبيا النووى تأسيسًا على الاتفاق المقرر بين هذه البلدان الثلاثة.
وانتهت المقابلة بصورة ودية، وهو الأمر الذى استراح له جدّا «وليليام إهرمان» الذى يبدو أنه كان يتوقع احتكاكًا بينى وبين «بولتون». والحقيقة أن الاتفاق تم تنفيذه أيضًا بسلاسة دون حدوث أى مشكلات بين مفتشى الوكالة وخبراء أمريكا وبريطانيا.
ومما سهل مهمة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بصورة تكاد تكون غير معتادة، هو التعاون الكامل والابتعاد عن المراوغة من قِبل الليبيين. وإلى جانب ذلك فقد حرص معتوق على القيام بزيارات دورية لى فى فيينا للتأكد من انتظام العمل وعدم وجود أى عوائق. لقد كان عملنا فى ليبيا تغييرًا إيجابيًّا بالمقارنة بالتجارب التى مررنا بها فى العراق وكوريا الشمالية وإيران. وبنهاية يناير كان مفتشو الوكالة قد أنهوا الجزء الأكبر من المرحلة الأهم فى عملية التفتيش والتحقق، ومباشرة بعد ذلك تم تفكيك معدات مخصصة لتشغيل دورة الوقود النووى، وحسب الاتفاق الذى تم بين واشنطن وطرابلس تم شحن هذه المعدات إلى أمريكا.
وفى الثالث والعشرين من فبراير توجهتُ إلى طرابلس لإجراء محادثات، ووجدت فى الفندق الذى أقيم فيه عددًا كبيرًا من رجال الأعمال الغربيين، خصوصًا من العاملين فى مجال البترول، وبعد ذلك تسربت معلومات حول قرب رفع العقوبات المفروضة على التعامل مع ليبيا. وخلال حديثى مع المسؤولين الليبيين الذين كانوا يحاولون اللحاق بكثير من التطورات المتتالية بدا لى أنهم يمكن أن يقعوا فريسة للاستغلال فى هذه المرحلة التى تشهد انفتاحًا جديدًا على ليبيا.
وخلال حديثى مع وزير الخارجية شلقم قال لى إن المشكلة التى تواجه ليبيا هى نقص الكفاءات من المديرين، وبالطبع فإن ذلك كان أمرًا متوقعًا، كون أن ليبيا قد تعرضت للعزلة الدولية لأكثر من عشرين عامًا. وخلال هذه الأعوام العشرين فإن الكثير من الكفاءات والعقول الليبية كانت قد هاجرت، وباستثناء بعض الليبيين الذين حصلوا على التعليم فى الخارج وبعض كبار المهنيين والعلماء النوويين، فإن حظوظ ليبيا من كفاءات الوظائف الحكومية كانت محدودة للغاية.
ومن المسؤولين القليلين التى كانت لديهم خبرة الشؤون الدولية موسى كوسا رئيس المخابرات الليبية، الذى كان قد ذهب لاستكمال دراسته العليا فى العلوم الاجتماعية بجامعة ميتشيجان، وخلال هذه الدراسات قام بكتابة رسالة الماجستير عن معمر القذافى. كما أن شلقم أيضا عاش سنوات طويلة فى الغرب، من بينها السنوات التى أمضاها سفيرًا لبلاده لدى إيطاليا. وقد تبادلتُ الحديث مع الاثنين حول ضرورة اكتساب ليبيا الكفاءات والمهارات التفاوضية، وضرورة أن تحصل ليبيا على عوائد مناسبة وعادلة مقابل مواردها الطبيعية.
وتطرق الحديث مع شلقم وكوسا أيضا إلى التعقيدات التى تحيط بالعلاقات مع دول شمال إفريقيا، وإلى الاتهامات التى تواجه ليبيا فى العالم العربى بعد إعلانها تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل بأنها باعت ثلاثين عامًا مما يطلق عليه المواقف «الثورية» فى الكثير من الموضوعات.
وقد علمتُ خلال هذه المحادثات أن النظام المصرى -على وجه الخصوص- كان مستاءً من أن ليبيا لم تُخطره عن برامجها لأسلحة الدمار الشامل التى كانت تحاول تطويرها، أو عن مفاوضاتها مع أمريكا وبريطانيا. وكان الرئيس مبارك قد قال فى أحد خطاباته قبل فترة وجيزة من الكشف عن برنامج ليبيا للأسلحة النووية: «أنا أعلم ما لدى ليبيا.. والليبيون ليس لديهم أسلحة دمار شامل». وبالطبع فإن الكشف عن هذا البرنامج مثَّل إحراجا له.
وأرسل الليبيون عبد الله السنوسى رئيس المخابرات العسكرية الليبية وصهر القذافى، إلى مصر لمحاولة تطييب خاطر مبارك، ومع ذلك فإن الصحافة المصرية وجهت النقد إلى القذافى على تخليه عن برنامج التسلح، وهو ما أتبعه القذافى بإنهاء دخول المصريين ليبيا دون تأشيرات، وكان ذلك القرار قاسيًا بالنظر إلى أنه كان هناك قُرابة نصف مليون مصرى يعملون فى ليبيا فى ذلك الوقت. وفى النهاية قرر المصريون وضع حد لانتقادات الصحافة المصرية للقذافى، وبعثت القاهرة بوفد من الحكومة المصرية لمحاولة حمل القذافى على تعديل قراره.
ولم يكن من الصعب أن يخلص المتابع لهذا الأمر إلى أن العلاقات الليبية- المصرية تحكمها الأهواء والانفعالات اللحظية، لا التعاون القائم على التخطيط المنطقى.
من جانبهم كان لدى المسؤولين الليبيين الكثير من النقد للحكومة المصرية، خصوصًا فى ما أشاروا إليه من «تقدم مبارك فى العمر بدرجة لم يعد من الممكن معها أن يقدم الكثير، سواء على الصعيد الداخلى لمصر أم للعالم العربى». وعلق أحدهم قائلا «أنت تعلم أهمية مصر من حيث قيادة العالم العربى، فإذا توقفت القيادة المصرية فإن العالم العربى لا يتحرك كثيرًا، أما إذا تحركت مصر للأمام فإن العالم العربى سيتبعها».
لم تُسهم حملة إعلامية أطلقها وزير الطاقة الأمريكى «سبنسر إبراهام» فى تحسين موقف ليبيا فى العالم العربى. ففى السادس عشر من مارس اتصل بى معتوق ليعرب لى عن غضبه مما يقوم به «إبراهام» الذى أحضر عددًا كبيرًا من الصحفيين ليصوروا بأنفسهم المعدات النووية التى أرسلتها ليبيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرارها التخلى عن برنامج التسلح النووى، بينما وصفه «إبراهام» بأنه «انتصار كبير للغاية»، وأن هذه المعدات هى مجرد بداية لما سيصل من ليبيا. وأضاف «إبراهام» أنه «بأى معيار موضوعى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم المتحضر بأسره أصبح أكثر أمانًا، نتيجة الجهود التى أدت إلى تخلص ليبيا من هذه المواد النووية».
وبغض النظر عن الإهانة التى تضمنتها تصريحات «إبراهام» فى حديثه عن «العالم المتحضر»، فإن تقييمه لما كان يمكن أن يتسبب فيه البرنامج النووى الليبى كان تقديرًا مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة، خصوصًا فى ما قاله عن امتلاك ليبيا أربعة آلاف جهاز طرد، لأن معظم هذه الأجهزة لم يكن قد اكتمل. ولفت هذا الأمر انتباه المتخصصين داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، واستدعى انتقاداتهم. وكان من بين هؤلاء «ديفيد أولبرايت» رئيس واحد من أهم المعاهد المتخصصة فى دراسات الأمن النووى والذى قال «إن الحديث عن أن البرنامج الليبى كان خطيرًا جدًّا وأننا يجب أن نكون جميعًا سعداء، هو جزء من حملة دعائية مبالغ فيها يقوم بها البيت الأبيض للحصول على مكاسب سياسية».
ولقد جاء اتصال معتوق بى وأنا فى واشنطن للقاء الرئيس «بوش»، وطالبنى معتوق بالتدخل لدى الأمريكيين لوقف مثل هذه الأنشطة الدعائية التى تضر بصورة ليبيا فى الداخل وفى العالم العربى، وتجعل ليبيا تبدو وكأنها خضعت لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى تفكيك برنامجها للتسلح.
__________________

رد مع اقتباس
  #237  
قديم 04-10-2012, 05:29 PM
الصورة الرمزية silverlite
silverlite silverlite غير متواجد حالياً
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
silverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond repute
افتراضي رد: التراس برادعاوى ,,حزب الدستور ,,

سنوات الخداع (18)


د. محمد البرادعى


لم أكن واثقًا ما إذا كان الأمريكيون غير مدركين أن ما قاموا به يمثل إحراجا لليبيا، أو ما إذا كانوا غير مهتمين بهذا الأمر من الأساس. لكن بالنسبة إلى اليبيين كان من الضرورى أن يكون واضحًا للإعلام أن قرار طرابلس التخلص من الأسلحة النووية كان قرارًا متفقًا عليه بين الطرفين، وأنه تم تنفيذه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد مناقشة طويلة، وفى ضوء قوانين دولية، وتحت إشراف منظمة دولية. ولم تكن للولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الشعبية فى العالم العربى فى هذه السنوات، وبالتالى فإن آخر ما كانت تريده ليبيا أن تبدو أنها قد خضعت لضغوط أمريكية عنيفة.
وفى اليوم التالى التقيت «بوش»، وعندما تطرق الحديث إلى ليبيا أعرب لى عن شكره للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن جانبى أشرت إلى الحساسيات التى تحيط بالتعامل فى هذا الملف، وأشرت على وجه الخصوص إلى الاستياء الليبى جراء الطريقة التى تم بها عرض المعدات الليبية أمام وسائل الإعلام. وأضفت أنه ينبغى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتوخى الحذر فى أن لا تصور القذافى أمام العالم العربى على أنه الرجل الذى خان أمته من أجل العلاقات مع الغرب، مشيرًا إلى أن القذافى لا يحتاج إلى المزيد من النقد فى هذه اللحظة، وأن استمرار أمريكا وبريطانيا فى تصويره على أنه رجل مهزوم لن يخدم على الإطلاق مستقبل العلاقات بين ليبيا وكل من أمريكا وبريطانيا.
ولقد تفهم «بوش» الأمر على الفور وقرر إلغاء استعراض آخر لوصول المعدات الليبية إلى أمريكا بناءً على أوامره. وقال لى «بوش» إنه سيرسل «بيل بيرنز» مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط إلى ليبيا ليعرب لطرابلس عن التقدير لقرارها التخلى عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما أكد لى «بوش» «الالتزام بتطبيع العلاقات مع ليبيا»، وطلب منى إذا ما سنحت الفرصة أن أنقل مودته إلى القذافى.
لكن التعقيدات المحيطة بتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع ليبيا لم تنته، ففى مايو 2004 أخبرنى معتوق أن «جون بولتون» يلح على ليبيا لتوقيع اتفاقية ثنائية بشأن أسلحة الدمار الشامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبموجب الاتفاقية المقترحة من «بولتون» فإن واشنطن سيكون لها الحق فى اتخاذ تدابير، تشمل أعمال التفتيش، فى حال ما قامت ليبيا بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية أو فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما أخبرنى معتوق كذلك أن واشنطن تريد من طرابلس رفع شرط السرية المفروضة على سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بليبيا حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاطلاع عليها.
ونصحت معتوق بأن لا يستجيب إلى أى من المطلبَيْن، وأننى لا أوافق على أن يطَّلع أى شخص على ملفاتنا. فشرط السرية إجراء اعتيادى فى كل ما يتعلق بنظام الضمانات فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن ليبيا لا تحتاج إلى التوقيع على ضمانات إضافية، لأن الضمانات التى تلتزم بها ليبيا مع الوكالة كافية، وبالتالى فإن مثل هذا التوقيع لا يمكن فهمه إلا على أنه رخصة غير مبررة من ليبيا للأمريكيين للتدخل فى أى وقت. وبالطبع لم يكن من الصعب إقناع معتوق بذلك.
وفى يونية التقيت شكرى غانم، رئيس وزراء ليبيا الذى أصبح فى ما بعد وزيرا للبترول فى مؤتمر فى فرنسا. وكانت تربطنى بغانم صداقة منذ السنوات التى عمل فيها مديرا للدراسات فى منظمة الأوبك بڤيينا. وأراد غانم أن يُعرفنى بأحدهم: سيف الإسلام القذافى، ثانى أبناء العقيد القذافى، والمسؤول عن التوصل للاتفاقية بين ليبيا وأمريكا وبريطانيا حول برنامج ليبيا للأسلحة النووية.
وعندما وصلا إلى منزلى قام غانم بتقديم سيف الإسلام ثم انصرف، وكان واضحًا أن سيف الإسلام كان يسعى للحصول على النصح حول جملة من القضايا، وبدأ بطرح أسئلة حول صورة ليبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى الغرب عموما. ولم أجد هناك داعيا لمحاولة إخفاء الحقيقة أو تجميلها، فقلت له إن «الغرب لا يثق فى ليبيا، وإنه سيكون عليكم بناء الثقة معهم، وهذا الأمر سيستغرق وقتا». ثم أضفت أنه من الناحية الأخرى فإن ليبيا تثبت الآن أنها تريد أن تأخذ منحى جديدًا بوصفها عضوًا مسؤولا فى المجتمع الدولى، وهو ما يعنى أنه يحق لليبيين طلب المساعدة فى مجالات مثل التعليم والإدارة المالية وغيرها من الاحتياجات الوطنية.
وتحدث سيف الإسلام عن افتقار ليبيا للكفاءات الإدارية الرفيعة فى الحكومة، فكان اقتراحى له اعتماد آلية للتدريب تقوم على إرسال بعض من الإداريين الليبيين إلى الخارج للتدريب والاستعانة فى نفس الوقت ببعض الكفاءات الخارجية لتقديم دورات تدريبية لليبيين فى بلادهم. فى الوقت نفسه كان على ليبيا أن تعمل على تطوير بنيتها التحتية فى أسرع وقت ممكن.
ولقد لاحظت أن عزلة ليبيا عن العالم خلال العقود الماضية كانت لها أثر سلبى كبير على البلاد، ففى عام 1964 كان هناك خط طيران مباشر بين نيويورك وطرابلس، التى كانت تعد فى ذلك الوقت واحدة من المدن المزدهرة على ساحل المتوسط. وفى عام 1970 لجأ الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات إلى ليبيا ليحصل على قرض وليجرى عملية جراحية، وبالطبع منذ ذلك الحين تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى قوة اقتصادية صاعدة، بينما تراجع حال ليبيا كثيرًا عامًا بعد آخر.
إن أسلوب القذافى فى الحكم يمكن أن يوصف على أقل تقدير بأنه مختلف، ففى أحد الأعوام قرر القذافى وقف مهنة الحلاقة لأنه لم يكن يعتقد أنها مهنة منتجة، وهو ما دفع الليبيين خلال تلك الفترة إلى أن يعتمدوا على أنفسهم فى تهذيب شعرهم، أو للحلاقة فى الخفاء.
كما كان للقذافى أيضا طريقة غريبة فى التعامل مع الشخصيات الدولية، بما فى ذلك قراره لقاء «كوفى أنان» فى خيمة فى وسط الصحراء فى منتصف الليل خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، لأن القذافى كان مستاءً من قيام الأمم المتحدة بفرض بعض العقوبات على ليبيا مؤخرًا. وإضافة إلى ذلك فإن وصول «أنان» إلى خيمة القذافى استغرق ساعتين مر خلالهما فى دوائر عبر الصحراء فى عتمة الليل مع اختراق صمت الصحراء المطبق لأصوات حيوانات كان «أنان» لا يراها أو يعرف ماهيتها بالضبط.
وفى عام 2004 قام الرئيس الفرنسى «شيراك» لأول مرة بزيارة إلى ليبيا فأحضره القذافى أيضا إلى خيمته، وفى أثناء المباحثات دخل عمال النظافة لتنظيف الخيمة، وبعد أن انصرفوا دخلت عنزة تتجول فى الخيمة.
وإذا ما صدقت مثل هذه الروايات فلا يمكن بسهولة معرفة السبب وراء مثل هذه التصرفات غير المألوفة، وعما إذا كان السبب هو إبداء عدم رضا القذافى عن بعض السياسات التى تتبعها الأمم المتحدة أو فرنسا، أو التأكيد على أن القذافى لا يلتزم بالقواعد البروتوكولية المتعارف عليها فى التعامل مع الشخصيات الدولية الرفيعة.
وفى كل الأحوال فإن آثار عدم الخبرة الناجمة عن سنوات العزلة الطويلة على ليبيا كانت بادية فى الأوجه، سواء فى ذلك نقص الكفاءات الإدارية أم البنية التحتية المتدهورة أم السياسات الداخلية والخارجية «الفريدة» من نوعها، وذلك كله بينما ممثلو الشركات الدولية يتوافدون على ليبيا للحصول على صفقات لاستغلال الموارد الليبية.
ولا بد من القول إننى مع ذلك كنت مندهشا بأن ليبيا، على الرغم من كل العزلة التى تعرضت لها، وعلى الرغم من العقوبات الدولية التى فرضت عليها، فإنها تمكنت بسهولة من تطوير برنامج لأسلحة الدمار الشامل بما فى ذلك برنامج بدائى لتطوير السلاح النووى.
وفى الحقيقة فإننى كنت قلقا من رغبة الكثيرين فى التعامل بسرعة مع هذا الوضع، دون النظر بعمق إلى الدواعى وراء مثل هذا البرنامج النووى السرى، سواء فى ليبيا أم غيرها، والذى تم تطويره عبر عدة عقود من الزمن. فمثل هذه الدواعى لا تستأصل بتوقيع اتفاق واحد أو بعقوبات تفرض على عجل أو بحملة قصف خاطفة أو حتى بخطوات دبلوماسية متفرقة، فتفكيك المعدات والمواد الخطرة هو خطوة أولية فقط فى عملية معقدة. والتغيير الحقيقى فى مثل هذه الحالات يتطلب التزاما طويل الأجل بإقامة علاقات قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة. والنجاح النسبى الذى يمكن أن تحققه ليبيا فى إقامة مثل هذه العلاقات مع شركائها الدوليين سيتضح فقط بمرور الوقت.
وقد كنت دائما، وما زلت، منزعجا لرغبة بعض الدول فى ممارسة الخداع وحجب المعلومات بالمخالفة لالتزاماتها الدولية: فليبيا خرقت التزاماتها المقررة حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكلٌّ من أمريكا وبريطانيا حجبت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات استخباراتية كشفت عن برنامج ليبى سرى للتسلح النووى إلى أن قررت الكشف عن هذه المعلومات فى الوقت الذى يناسبها هى، ثم قامت بعد ذلك بنشر أحاديث مبالغ فيها عن هذا البرنامج لتحقق أهدافا دعائية.
تساءلت كثيرا وما زلت: إلى أى مدى يمكن أن يتسامح المجتمع الدولى مع مثل هذه الممارسات؟ وإلى أى مدى يمكن أن تستمر قبل أن تأخذ فى النَّيل من مصداقية نظام منع التسلح النووى بكامله؟
__________________

رد مع اقتباس
  #238  
قديم 04-10-2012, 05:31 PM
الصورة الرمزية silverlite
silverlite silverlite غير متواجد حالياً
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
silverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond repute
افتراضي رد: التراس برادعاوى ,,حزب الدستور ,,

سنوات الخداع (19)


د. محمد البرادعى


لقد مثّل الكشف عن الشبكة السرية لعبد القدير خان الحلقة الثالثة فى سلسلة من التغيرات العميقة فى الوضع النووى حول العالم. كان التطور الأول هو خرق دول أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لالتزاماتها المقررة فيها، بسعيها سرّا لتطوير أسلحة نووية، كما كان الحال بالنسبة إلى العراق وكوريا الشمالية. ولم تكن ليبيا سوى المثال الأحدث على ذلك. أما الحلقة الثانية فكانت قيام الإرهابيين بتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة، وهو ما جعل الكثيرين يتوقفون أمام هذا الأمر ويفكرون فى ما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن المجموعات الإرهابية دخلت إلى سوق المواد المشعة. ورأى الخبراء النوويون أن من لديه القدرة على القيام بمثل هذا العمل المنظم والمعقد يمكن له أيضا أن يضع يديه على مواد الإشعاع، التى يمكن أن يصنع منها «قنبلة قذرة» أو الأسوأ أن يتمكنوا من الحصول على كمية كافية من المواد النووية يتمكنون بها من صُنع قنبلة نووية حتى ولو كانت بدائية. ولقد زاد القلق من مثل هذا الوضع عندما تم الكشف عن دلائل تفيد بمحاولة تنظيم القاعدة الحصول على أسلحة دمار شامل.
وتمثلت ردة فعل المجتمع الدولى على هذا الأمر فى اتخاذ سلسلة متصاعدة من الإجراءات لتقييم كيفية حماية الدول لمنشآتها النووية وللمواد المشعة التى بحوزتها. وفى خلال شهور ارتفعت ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخصصة لأغراض الأمن النووى من مليون دولار إلى 30 مليون دولار، وقد جاءت الزيادة فى أغلبها من إسهامات طوعية. وقامت الوكالة بإرسال فِرق للبحث فى مصير المواد المشعة المهملة فى دول الاتحاد السوفييتى السابق مثل جورجيا وغيرها. فى الوقت نفسه تم رفع مستوى التأمين الفعلى على كل محطات القوى النووية والمفاعلات البحثية وغيرها من المنشآت النووية. وتحرك العالم بموازاة ذلك لإعادة تقييم السيناريوهات المحتملة للقيام بأعمال تخريبية فى المنشآت النووية.
ولم يكن الرد على هذا التهديد موحدًا عبر العالم. فقد بادرت الدول الغربية والمنظمات الأهلية فى كثير من هذه الدول بتقديم إسهامات طوعية لدعم أعمال الأمن النووى التى تقوم بها الوكالة. غير أن الدول النامية أصرّت على أن لا تأتى هذه الزيادة من الميزانية العادية للوكالة. وفى المناقشات التى دارت فى الكواليس أشاروا إلى أن الوكالة عليها، كما جرت العادة، أن توجد التوازن المطلوب بين تقديم التمويل للنهوض بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية مثل علاج مرض السرطان أو تحسين الإنتاجية الزراعية وبين تحقيق الأمن النووى، فقد كانت هذه الدول تخشى أن تصبح هذه الاستثمارات الضخمة الجديدة بندا دائما فى ميزانية الوكالة وتصبح بالتالى ملزمة بالمساهمة فيها.
وقد كان هذا الخلاف فى المواقف مؤشرًا جديدًا من ضمن مؤشرات التباين بين تعاطى دول الشمال ودول الجنوب مع الشأن النووى إجمالا. وكان عديد من الدول النامية يرى أن أخطار التهديدات النووية تستهدف فى المقام الأول الدول المتقدمة صناعيّا وغالبيتها غربية، وبالتالى فعلى الدول الغربية أن تدفع فاتورة تأمين منشآتها، وكانت هذه الرؤية قاصرة، لأن الأحداث أكدت لنا أن الأخطار تهدد كذلك الدول الصغيرة والأقل نموّا كما دلت عليه محاولات تهريب المواد النووية والمواد المشعة، وهى المحاولات التى تشير معلومات الأجهزة الأمنية فى العالم إلى أنها لا تفرق بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد دل على ذلك أيضا تزايد الطلب من جميع أنحاء العالم على خدمات الأمن النووى التى تقدمها الوكالة. وبالفعل فقد قامت الوكالة خلال السنوات التالية لأحداث الحادى عشر من سبتمبر بتقديم الدعم الفنى للنهوض بترتيبات حماية للمواقع النووية فى أكثر من 30 دولة، كما قامت بعقد المئات من ورش العمل والدورات التدريبية للتوعية بأسباب وطرق الأمن النووى فى أكثر من 120 دولة، ذلك إلى جانب قيامها بتوزيع ما يزيد على 3000 معدة لتقصى أى تسريبات إشعاعية وتأمين نحو 5000 مصدر للمواد المشعة فى العديد من بلدان العالم.
وفى أوائل عام 2004 كنا بصدد مواجهة تغيرات جديدة كشفت عنها التطورات التى رأيناها فى إيران وليبيا، وهى وجود سوق سوداء للمواد والمعدات النووية. ولأن كل سوق يقوم على أساس العرض والطلب فقد كان واضحًا بالنسبة إلينا أن الطلب موجود سواء من قِبل بعض الدول، أم من قِبل بعض الجماعات المتطرفة التى تسعى للحصول على المواد النووية وعلى تكنولوجيا الأسلحة النووية. أما جانب العرض فقد كان متاحًا من خلال شبكة عبد القدير خان والمتعاملين معه. وفى السنوات التالية، ومع زيادة أعمال المراقبة والمتابعة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن قاعدة البيانات لدى الوكالة رصدت أكثر من 1300 حالة لمحاولة تهريب غير مشروع للمواد النووية والمواد المشعة. لقد كنا بصدد اكتشاف سوق كبيرة للبضائع النووية تخدم كل العملاء حسب الطلب.
لكن السؤال هو: ما الذى يدفع شخصا مثل عبد القدير خان ليقوم بما قام به؟ والإجابة تأتى مما قاله خان نفسه عن ذكريات طفولته فى الهند، حيث ذكر أنه شاهد مذبحة للمسلمين على أيدى الغالبية الهندوسية. وبعد فترة ليست بالطويلة غادر خان الهند مهاجرا مع أسرته إلى باكستان، حيث استقر هناك منذ عام 1947، عندما تم تقسيم الهند إلى الهند وباكستان. وبعد نحو عقدين من الزمن وعندما كان خان يدرس فى بلجيكا للحصول على درجة الدكتوراه وقعت باكستان فى قبضة حرب طاحنة مع الهند تعرض خلالها الجيش الباكستانى لهزيمة ساحقة تم معها اقتطاع جزء من شرق باكستان ليصبح بنجلادش. وفى عام 1974 عندما قامت الهند بأول تفجيراتها النووية كان خان يعمل فى شركة «URENCO» وهى إحدى الشركات العاملة فى مجال تخصيب اليورانيوم، والمملوكة لبريطانيا وألمانيا الغربية وهولندا وتقوم بإنتاج أنواع متطورة من أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وهى الشركة التى سرعان ما أصبحت لاعبًا مهمّا فى سوق الوقود النووية.
ولا يمكن لأحد أن يحكم على وجه التحديد من توالى فصول هذه القصة عما إذا كان الدافع وراء تصرفات خان مرتبطا بالحماسة الوطنية، أو الرغبة فى دعم المسلمين الذين رآهم يتعرضون للقمع، أو بمجرد الطموحات والمكاسب الشخصية، ولم تمكن باكستان الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استجواب خان بطريق مباشر حتى تستطيع أن تكوّن تصورًا وراء أهدافه وعملائه.
ولكن كان من الواضح أنه عندما عاد خان إلى باكستان ليرأس معامل البحوث الهندسية، التى سميت باسمه من بعد، فإن الموارد والإمكانات اللازمة قد سخرت له، والتى استطاع على أساسها أن يحقق نقلة كبرى فى قدرات باكستان النووية. ولقد لجأ خان فى ذلك لاستخدام معلومات وتكنولوجيا استحوذ عليها بطريقة غير قانونية من خلال عمله فى شركة «URENCO» شملت تصميمات لأجهزة الطرد ومجموعة كبيرة من قوائم الاتصالات وأسماء الشركات التى يمكن من خلالها شراء المعدات والمواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم وغيرها من أجزاء دورة الوقود النووى. وإلى جانب تطوير القدرات النووية الباكستانية فمن المؤكد أن خان استخدم السوق النووية السوداء والتى بدأت فى التوسع منذ الثمانينيات فى أن يحقق لنفسه ثروة تقدر بـ400 مليون دولار. واستمر خان فى عمله هذا لمدة سنوات، وعندما تم كشف ما يقوم به فإن الشبكة التى كوَّنها كانت قد توسعت وتوغلت بشكل كبير على المستوى الدولى.
وبعد أن حصلنا على أول حصيلة من المعلومات حول ما كان خان يقوم به فى إيران وفى ليبيا قام «أوللى هاينونين»، أحد المدراء المسؤولين عن نظام الضمانات بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعملية دراسة وبحث موسَّعَيْن فى نشاط هذه الشبكة غير القانونية. ومن خلال هذه الدراسة والتحريات اللتين اشترك فيهما مع «هاينونين» عدد كبير من المعاونين تمكنَّا من أن نضع أيدينا على معلومات مهمة حول المتعاونين مع خان، ووسائل تحويل الأموال فى إطار هذه الشبكة، بل ووضعنا أيدينا أيضا على أسماء بعينها وتواريخ محددة لتحويلات مالية تمت عبر بنوك تم رصدها لعمليات إمداد الجهات والدول المختلفة بهذه المواد والتكنولوجيا النووية، إلى جانب قائمة بأسماء الوسطاء.
وبالطبع فإنه بالتوازى مع عملنا هذا كانت أجهزة المخابرات الرئيسية فى العالم تقوم بدورها بعمليات الرصد للأذرع المختلفة لهذه الشبكة غير القانونية وكانت تمدنا بمعلومات مهمة تساعدنا فى عملنا المتعلق بالكشف عن تفاصيل البرامج النووية سواء فى إيران أم ليبيا أم كوريا الشمالية أم غيرها.
__________________

رد مع اقتباس
  #239  
قديم 04-10-2012, 07:10 PM
الصورة الرمزية kj1
kj1 kj1 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 109,157
kj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond repute
افتراضي رد: التراس برادعاوى ,,حزب الدستور ,,

رد مع اقتباس
  #240  
قديم 04-10-2012, 07:11 PM
الصورة الرمزية kj1
kj1 kj1 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 109,157
kj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond repute
افتراضي رد: التراس برادعاوى ,,حزب الدستور ,,

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدليلية
البرادعي, التراس برادعاوى, الدستور, ثورة 25 يناير, حزب الدستور


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 MasrMotors غير مسؤول عن أي اتفاق تجاري أو تعاوني بين الأعضاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي MasrMotors ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر


الساعة الآن 01:12 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
www.MasrMotors.com ™ Copyright ©2008 - 2024
Egyptian Automotive Community
جميع الحقوق محفوظة - مصرموتورز 2008 - 2017