مخطط تصفيه الثوره ,,

[silverlite]

[silverlite]

وإذا شرب الرئيس الشاى بالياسمين..


وائل عبد الفتاح


كتكوت لا يعرف الدولة العميقة.
ويريد رئيسا يساعده إذا مرض أو إذا عجز عن عمله فى تصليح أجساد السيارات.
يتأكد كتكوت أنه لا الدولة ولا الرئيس يرون ملايين مثله من الصنايعية والعمال الصغار… لا يرونهم إلا ساعة التصويت، ولهذا يبحث عن رئيس مختلف وسيمنحه صوته… كنوع من الاستثمار فى المستقبل.
رحلة كتكوت إلى صندوق الانتخابات هى الأولى، رغم أن عمره الآن يلهث باتجاه منتصف الثلاثينيات، فقد كانت الدولة العميقة تتعامل مع الصناديق، كما يتعامل سائق التاكسى القديم الذى يضع العداد لكنه لا يعمل.. هكذا فالدولة العميقة نفسها التى منعت الانتخابات وجعلتها مسرحية… واختارت الرئيس على طريقة الكهنة خلف الستائر السوداء.. هى نفسها التى ستقول عبر أجهزة دعايتها وعبر مندوبيها المبتسمين على الشاشات وجنرالاتها السعداء بأنفسهم وبلمعة الكواء على بدلاتهم الجديدة.. سيقولون إن هذه أول انتخابات نزيهة… أى أن العداد سيعد بعد ٦٠ سنة تقريبا من إعلان الجمهورية.
لأول مرة سينتخب كتكوت رئيسًا، ولا يصدق أنه من الممكن أن يكون مصريًّا من لحم ودم من الذين يراهم صباحا أو مساء، يتصور أنه كائن من عجينة أخرى، يمثل دورا أمام الشاشات ثم يعود إلى موطنه الطبيعى، حيث جزيرة كل من فيها يشبهونه، يحكمون ويستمتعون ويتركون لنا الحياة المخيفة لنتعارك فيها على مكان فى الميكروباص أو المستشفى أو فى بيت ٨٠ مترا كاملة.
كتكوت ربما قرأ عن رئيس يُقبّل الناخبين على طريقة جميل راتب فى فيلم «طيور الظلام»، أو الآخر الذى يقول وعودا براقة سيجعل المصريين يلعبون التنس على الترعة، أو الذى سيُخبط مثل عمر بن الخطاب على أبواب الفقراء ويترك صرة من الدنانير وعشاء ساخن من الكبابجى.
لكنه يريد رئيسا آخر يعرف أن الانتخابات القادمة لن تأتى به، رئيس يعترف بوجوده، ولا يعامله بكل هذه الشفقة والحنان التى تؤكد له أنه سيظل فى الهامش… وسننتظر الفتات أو يتسوله.
فتح كتكوت عينيه على اتساعهما عندما حكينا له عن صانع الأحذية الذى أصبح رئيسا فى البرازيل… وعبر بها من بلاد تقتل أطفال الشوارع لكى لا يفسدوا منظر الحياة على الأغنياء إلى بلد يلامس اقتصادها مناطق الأمان والتقدم.
هذه هى المعجزة بالنسبة إلى كتكوت عندما يصبح لمن يعيشون فى الهامش مكانا داخل دائرة السلطة.
آلاف دخلوا هذه الدائرة من المهمشين، لكنهم على الباب كانوا يشربون الشاى بالياسمين ويتحولون إلى كائن سلطوى… يتحدث كما يتحدث أهل السلطة ويتصرف كما لو كان منهم… أو تربى فى دروسهم الكهنوتية ودخل شبكات مصالحهم كأنه ابن مدلل لطبقات تستهلك الماركات العالمية أكثر من صانعيها.
كيف سيدخل الرئيس القادم هذه الدائرة؟
هل سيتعامل على أنه الساحر.. صاحب المعجزات الذى يفوُت على الصحراء فتخضر…؟
هل سيحقق العدل بلمسة من يده التى تمتد عبرها يد الشعب؟
أم أنه سيفهم حدود دوره فى اللعبة؟
هل سيفهم أنه لم يعد من الممكن إعادة إنتاج عمر بن الخطاب حتى لو كانت النوايا صادقة، لأن السياسة مثل الصناعة لا يمكن أن تحل فيها أزمات العصر الذى نعيشه بآليات عصر آخر؟
هل سيفهم أن النوايا وحدها لا تصنع المعجزات… وأن كل أشواق المصريين لن تتحقق بمجرد الإيمان بأن الرئيس هو مبعوث العناية الإلهية؟
الرئيس الذى يتصور نفسه مبعوث العناية… سيقع فى الفخ.. سيشرب الشاى بالياسمين… ويذوب فى الدائرة التى ندور فيها من ٦٠ سنة.
لم تكن هناك نوايا طيبة أكثر من نوايا ضباط يوليو، ولا ينافس عبد الناصر فى النبل أحد من الرؤساء الذين اختارتهم لنا نفس الدائرة التى حكمت بها الدولة منذ سقوط الملكية.
لكنهم من فرط شعورهم بالخوف على الشعب أعادوه إلى البيت ليحموه من نفسه… من إرادته المزورة…. أبعدوه لأنهم يعرفون مصلحة الدولة… تلك الكلمة الغامضة.. كلمة السر فى الاستبداد… هى الشاى بالياسمين الذى سيخدر الرئيس القادم إذا تصور أنه يمكن أن يحكم دون تعلم أسلوب التفاوض مع الدولة المعيقة التى كما قلت تحولت إلى مافيا دفاع عن مصالح خفية… هذه المافيا تتصور أن مصلحة الدولة العليا عندها… وأنها رغم الخراب الذى أوصلت مصر إليه ما زالت تعرف أكثر فى مصلحة الدولة… والرئيس إما أن يدخل فى الدائرة وإما أنه سيتحول إلى رئيس عاطفى حنون يبكى على من تذبحهم دولته العميقة.
قلت من قبل إن أغلب المرشحين بالنسبة إلىّ هم «فُضل وبواقى» المجال السياسى لنظام مبارك… هل يمكن أن نصنع جسرا من هذه الفُضل والبواقى إلى جمهورية جديدة؟
…. سنرى.

[kj1]

[kj1]

قبل الانتخابات

[kj1]