
04-03-2012, 10:35 AM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
حدوتة مصرية
سحر الموجي
كنت أؤنب نفسى وأنا أدلف إلى عيادة الطبيب لأننى لم أحضر معى كتابا. لا يهم فأنا غير قادرة على القراءة أصلا. قلبى ثقيل ولم أكترث لمعرفة السبب. فى الداخل اختطفت تلك المرأة عينى. كانت فى حوالى الأربعين من العمر. شعرها الكستنائى أطول كثيرا مما يحتمل جسدها الصغير. عيناها تلمعان بالحياة.
تحرك فضولى نحوها، خاصة بعد أن رأيتها ترتدى الهلال والصليب الذى كنت أرتدى مثله. كنت فى الشهور الماضية قد طورت من قدرتى على تبين موقف من أقابلهم من غرباء تجاه الثورة قبل أن يتكلموا. كدت أجزم بأنها من فريق الثوار. بدأ الحديث بيننا سهلا لطيفا كأن كلانا يعرف الآخر منذ وقت طويل ولم أصدق أذنى عندما عرفت أنها فى السادسة والخمسين من العمر. ضحكت بعد أن قلت لها إننى ظننتها فى الأربعين. فقالت لى: «أشعر أن الزمن عاد بى بضع سنوات إلى الوراء بعد أن بدأت أخيرا فى إنجاز عمل قريب إلى روحى وعقلى».
اقتربت منى قليلا وأخفضت صوتها وقالت: هل تعرفين أن الإنسان يمكن لوهلة أن تغير مجرى حياته وهلة واحدة، هى الوهلة بين الحياة والموت. ولكن هذه الوهلة التى غيرت من مجرى أيامى انحازت إلى الموت. كان شابا فى السابعة عشرة من عمره، أو هكذا بدا لى. كان يجرى بعيدا عن متاريس الأمن فى شارع محمد محمود، وفجأة وجدته يترنح بعد أن أصابه طلق طائش. لا أعرف كيف جريت نحوه. ولا أعرف لم اختار أن يسقط على صدرى، لكننى أعرف أننى تلقيته كما تتلقى الأم وليدها من يد طبيب الولادة. كيف لى أن أنسى عينيه؟
تجمدتُ فى مكانى. لم أنطق حرفا. لكن عيناى قالتا لها إننى فى انتظار استكمال الحكاية. كان تنفسها مسموعا وهى تحكى عن ذلك الذى مات على صدرها ولم تعرف حتى هذه اللحظة اسمه. قالت إن باقى الشباب جروا نحوه، رفعوه فوق أكتافهم مسرعين إلى المستشفى الميدانى يحدوهم الأمل فى إنقاذه، وأسرعت هى وراءه فى انتظار المعجزة: ألا يموت. وهناك بعد أن أسلم روحه إلى الخالق وجدوا فى جيبه إيصال أدوية كان قد أتى بها من صيدلية قريبة من أجل مصابى الثورة.
غيرت هذه اللحظة حياتها بالكامل. كانت تعمل فى شركة اتصالات، أخذت إجازة دون راتب وتفرغت بالكامل لقضايا أهالى الشهداء. تحولت عيناها إلى شعلة من لهب عندما بدأت تحدثنى عن ثقتها فى الغد. قلت لها إن الكثيرين واقعون فى هوة الإحباط، كل ما يحيطنا يدعو إلى الاكتئاب. ابتسمت وهى تقول ببساطة ويقين: بالعكس. كل ما يحيطنا يؤكد لى أن «ناظمت حكمت» كان على حق. وأن غدا أجمل من اليوم. سكتت للحظة ثم استكملت بنبرة هادئة: هل أحكى لك عن عينيه وهو ينظر لى؟ كان هناك استغراب وكانت هناك ابتسامة. هل أحكى لك كيف تصاحبنى هاتان العينان صحوًا ومناما. وعندما أكون مع أسرة أحد الشهداء أراهما تبتسمان لى. من يوم موته وأنا لم يزرنى الإحباط. شمرت عن أكمامها وعيناها تلتمعان وهى تؤكد لى «دماء هذا الصبى تجرى فى عروقى».
لا تسألونى كيف، لكننى رأيت دماء الصبى تجرى بالفعل فى عروقها
__________________
|