<TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><TBODY><TR><TD>< TABLE cellSpacing=0 cellPadding=0 width="90%" align=right border=0><TBODY><TR><TD vAlign=top align=right width="3%"></TD></TR><TR><TD vAlign=top align=right width="97%">
</TD><TD vAlign=top align=right width="3%"></TD></TR></TBODY></TABLE></TD></TR><TR><TD vAlign=top align=right><TABLE cellSpacing=1 cellPadding=1 align=left border=0><TBODY><TR><TD></TD></TR></TBODY></TABLE>
وفى جامعة القاهرة والمناطق المحيطة بها، كان الإغلاق شبه كامل، بينما راح رجال المارينز يشرفون على الخطوات النهائية لاستقبال أوباما جنبًا إلى جنب مع ضباط الأمن المصرى.
شوارع القاهرة والجيزة تبدو خالية فى هذا اليوم، كثير من المحلات التجارية أغلقت أبوابها، سكان الأحياء القريبة طُلب منهم عدم فتح الشبابيك والأبواب، بينما صعد إلى الأسطح رجال مسلحون ببنادق آلية قناصة.
يوم الأربعاء الماضى تم إجراء بروفة نهائية شارك فيها المئات من رجال الأمن المصريين والأمريكيين فى ساحة جامعة القاهرة تحديدًا، حيث ألقى باراك أوباما خطابه وسط 2500 مدعو، يمثلون كافة ألوان الطيف السياسى والاجتماعى والفكرى فى البلاد.
السفير الإسرائيلى يتقدم الحضور، غير أن كثيرًا من الرموز المعادية للتطبيع اعتبرت الأمر عاديًا، وكأنه لا يعنيها فى شىء، وصممت على المشاركة بينما راح عدد محدود يعلن رفضه.
كثير من المصريين الذين بقوا فى منازلهم فرضًا أو اختيارًا، راحوا يتحسرون على أن الزيارة لم تنل مناطقهم، فمن يدرى ربما تغير حالهم ورصفت شوارعهم، وتمت إزالة أكوام القمامة التى تحيط ببيوتهم وشوارعهم.
وزير الكهرباء الدكتور حسن يونس تابع خلال لقاء موسع مع كبار مساعديه أول أمس تأمين التغذية الكهربائية للمواقع التى يزورها أوباما وتشمل تحديدًا مناطق: مصر الجديدة والأهرام والجيزة ومسجد السلطان حسن.
الآن أصبح كل شىء على ما يرام، مطار القاهرة ينتظر ساعة الوصول، وأجهزة الأمن أصبحت على درجة عالية من الاستنفار، الكل ينتظر ساعة الوصول.
وفى التاسعة صباحًا حطت طائرة الرئيس الأمريكى فى مطار القاهرة كانت التوقعات تشير إلى أن الرئيس مبارك سوف يستقبله فى مطار القاهرة، غير أن السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية هو الذى اصطحب أوباما من المطار إلى القصر الجمهورى.
وفى شرفة القصر كان الرئيس مبارك فى انتظاره، يبدو أن الرئيس لم يخرج من حالة الحزن التى يعيشها منذ رحيل حفيده حتى الآن، صعد أوباما إلى الرئيس، وبعد عزف السلامين المصرى و الأمريكى اصطحبه الرئيس إلى داخل القصر فى جلسة مباحثات تم التركيز فيها على قضايا المنطقة وتحديدًا القضية الفلسطينية، ومستقبل الصراع العربى - الإسرائيلى.
لقد قال أوباما فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب هذا اللقاء إن أمريكا ملتزمة بالعمل والشراكة مع دول المنطقة حتى تستطيع كل دول المنطقة أن تحقق الآمال والطموحات التى تتوق إليها، ربما لم يستطع أوباما أن يسترسل فى الحديث انتظارًا لما سيقوله فى خطابه الذى سيوجهه إلى العالم الإسلامى من مبنى جامعة القاهرة غير أن المراقبين لاحظوا أيضًا أن كلمات الرئيس مبارك كانت مقتضبة، وأشار فيها إلى أن المباحثات شملت قضايا تتعلق بالشرق الأوسط وأزمة البرنامج النووى الإيرانى دون أية تفصيلات.
وفى زيارته إلى جامع السلطان حسن وقف أوباما وإلى جواره وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون فى حالة دهشة من هذا الإنجاز الحضارى الكبير الذى بدأ السلطان حسن فى بنائه عام 1356 م أى قبل قيام الولايات المتحدة الأمريكية.
من هنا يندهش البعض من تلك المقولات والمقالات التى راحت تصور زيارة أوباما وكأنها هى التى ستمنح مصر دورها المحورى وتراثها التاريخى، وينسى هؤلاء ويتناسون أن مصر وجدت قبل سبعة آلاف عام، بينما عمر أمريكا لم يتعد أكثر من خمسائة عام.
لقد راحت وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتليفزيون على مدى أكثر من عشرة أيام تمهد لزيارة أوباما لمصر، وكأنه الفاتح صلاح الدين، الذى جاء ليحرر الأراضى المغتصبة ويعيد الحقوق إلى أهلها.
قدموه على أنه الساحر الذى سيحل كل المشكلات بنظرة من عينيه أو كلمة يطلقها لسانه، مع أنهم يدركون ويعرفون جيدًا أن ركائز السياسة الأمريكية ثابتة، وأن التغيير قد يطول الشكل أكثر من المضمون، وأن العرب ملوا من الوعود والكلمات المعسولة عن السلام وحل الدولتين، وإنهاء الصراعات.
نعم لم يكن الأمر مقصورًا على «الميديا الإعلامية» بل راحت ماكينة الدعاية التى تعرف مهمتها جيدًا وهى تقديم صورة وردية للزيارة بالضبط كما فعلوا خلال زيارة الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون إلى القاهرة فى عام 1975، أو كما فعلوا خلال زيارة الرئيس السادات إلى القدس فى 19 نوفمبر1977.
لقد ظن الشارع يومها أن نيكسون سيحل الصراع وأن أمريكا ستقدم لمصر كل ما تحتاجه من معونات، وأن معدلات الفقر ستتراجع وأن مصر ستنهض قدمًا إلى الأمام غير أن ذلك لم يحدث، بل كانت زيارة نيكسون بداية لمسلسل الانهيار الكبير فى البلاد.
وخلال زيارة السادات للقدس روجوا لمقولة إن السلام سيتحقق وإن الأرض ستعود، وإن إسرائيل ستتفهم، غير أن أقصى ما تحقق هو عودة سيناء مشروطة وكان المقابل علاقات مع العدو وتراجعًا لدور مصر العربى.
وفى هذه الزيارة اعتقد البعض أيضًا أن مطالبة أوباما لإسرائيل بتجميد المستوطنات أو حديثه عن حل الدولتين يمكن أن يحقق ما لم يستطع غيره تحقيقه، مع أننا لو تأملنا قليلاً لأدركنا أن بوش تحدث بذات اللغة قبل ذلك، بل منحنا وعودًا واضحة تارة بإقامة دولة فلسطينية فى عام 2005 وتارة أخرى فى عام 2008.
صحيح أن أوباما يختلف عن سلفه جورج بوش، وصحيح أنه يريد تبييض وجه السياسة الخارجية الأمريكية والانفتاح على العالم الإسلامى غير أنه وفى ظل ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية لن يتمكن ولن يجرؤ على الخروج من حظيرة القيود الأمريكية.
يجب ألا تنسوا يا سادة أن نائب الرئيس الأمريكى هو يهودى ـ إسرائيلى.. وأنه هو الذى يمسك بالملفات الرئيسية وأن أوباما هو الذى اختاره لهذا الموقع.
لقد انتظر مئات الملايين من العرب والمسلمين خطاب الرئيس الأمريكى ظنًا من البعض منهم أن أوباما سيبدأ مسيرة الانطلاق نحو تحقيق أحلام العرب والمسلمين لوقف الظلم والعدوان المفروض عليهم، غير أن ركائز الخطاب وتوجهاته لم تقدم لنا أكثر من تلك الكلمات.التى أدرك أن الرئيس أوباما صادق فى طرحها، لكن إلى أى مدى هو قادر على تفعيلها.
لقد تحدث أوباما فى خطابه متناولاً علاقة أمريكا بالعالم الإسلامى وقضايا تتعلق بأفغانستان والعراق وفلسطين والديمقراطية والمرأة والتنمية البشرية.
واستعان أوباما فى خطابه التلقائى بآيات من القرآن الكريم واستعاد تاريخ العرب فى الأندلس والدور الحضارى للإسلام فى نهضة أوربا، وكل هذه رؤى وأطروحات كان لها تأثيرها الايجابى على جمهور المستمعين داخل قاعة جامعة القاهرة وخارجها، غير أن الخطاب لم يتضمن آلية لتفعيل هذه الأطروحات.
إن خطاب أوباما هو خطاب النوايا الحسنة ويجب أن يؤخذ هكذا، إنه يمثل فى تقديرى صورة مثالية تضمنت نهجًا جديدًا قد يثمر عن متغيرات فى السياسة الخارجية الأمريكىة، لكنها حتمًا ستكون متغيرات محدودة، ما لم يكن هناك موقف عربى قوى وفاعل يدفع أوباما إلى ترجمة مضمون الخطاب بما يحقق أثرًا إيجابيًا على أرض الواقع.
لقد قال أوباما: أعرف أن هناك مسلمين وغير مسلمين ربما يشككون فى رؤيتنا وهذا صحيح، غير أن الخروج من دائرة الشك، يحتاج إلى فعل حقيقى يثمر عن عودة الحقوق المشروعة لشعوبنا المقهورة تحديدًا فى فلسطين والعراق وأفغانستان.
لقد طالب أوباما بحق الفلسطينيين فى دولة مستقلة، وبإنهاء معاناتهم وحل مشكلة اللاجئين ولكنه لم يبعث ولو برسالة واحدة إلى الحكومة الإسرائيلية يؤكد فيها أن واشنطن لن تبقى صامتة فى مواجهة رفضها تنفيذ القرارات الدولية.
لقد راح أوباما يتحدث عن الصواريخ الفلسطينية وعن عنف المقاومة ويدعوها إلى التوقف عن إطلاق الرصاص، لكنه لم يطالب إسرائيل من جانبه بالتوقف عن مسلسل الموت والاغتيال الموجه ضد الشعب الفلسطينى، لم يقل لنا رأيه فى حرب إسرائيل على غزة التى قتلت فيها وأصابت أكثر من سبعة آلاف فلسطينى نصفهم من الأطفال.
تحدث عن العراق ووعد بالانسحاب وقال : لن تكون هناك قواعد، وأنه سيسحب قواته مع عام 2012 وهذا شىء جميل ولكنه راح يردد ذات مقولات بوش عن نجاح أمريكا فى إسقاط نظام صدام حسين وتحسين أوضاع الشعب العراقى.
وهكذا راح أوباما يستخدم لغة سلسلة فى الحديث عن أفغانستان وباكستان ويعد بـ 8.2 مليار للتنمية، إنها نفس اللغة التى تحدث بها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الآخر، وعن المرأة والتنمية البشرية والاقتصادية.
لقد كان «أوباما» بليغاً فى خطابه، استطاع أن يسوق عبر الكلمات والبلاغة وبطريقة ذكية ما يدفع الآخرين إلى الاعجاب به، وهذا هو ما تجسد فى رد فعل القاعة التى وقف الحاضرون فيها يصفقون لأوباما بطريقة يبدو فيها حجم الاعجاب كبيرًا،. لكنه لم يقدم لأحد صيغة عملية وآليات محددة تضمن تحقيق هذه المبادئ السامية بطريقة تعيد الحقوق إلى أصحابها، وتحمل اعتذارًا واضحًا عن جرائم سابقيه والتى اكتوى بنارها عالمنا العربى والإسلامى.
صحيح أن هناك فارقًا كبيرًا بين خطاب أوباما فى جامعة القاهرة والخطاب الاستفزازى الأخير لجورج بوش فى شرم الشيخ إلا أن ترجمة خطاب أوباما الترجمة الصحيحة تحتاج منه ومن إدارته إلى خلق مناخ مختلف على أرض الواقع.
لقد تحدث أوباما عن قضية السلاح النووى وإيران وطالب بإخلاء العالم من الأسلحة النووية، إلا أنه كان حذرًا للغاية فى حديثه عن إسرائيل، وامتلاكها كطرف وحيد لهذا السلاح فى منطقتنا.
قد يقول البعض: «اعطوا الفرصة لأوباما» ونحن لا نعترض على ذلك، لكننا فى حاجة إلى مواقف أكثر وضوحًا وإذا كان أوباما يقول إن بلاده ليست فى حرب مع المسلمين فنحن أيضًا لسنا فى حرب مع أمريكا، ولكن شريطة أن تتوقف أمريكا عن مساندتها غير المشروطة لإسرائيل لأنها تصبح بذلك طرفًا فى العدوان المباشر على أمتنا، وفى حاجة إلى أن تعيد رسم سياستها الخارجية بطريقة تحفظ حقوقنا وتحترم خياراتنا، ولا تتدخل فى شئوننا الداخلية، وتراجع مواقفها السابقة التى كانت فيها هذه السياسة مثلاً صارخًا للعدوان على الآخر.
لقد مضى أوباما بعد زيارته للأهرامات منهيًا بذلك زيارته إلى القاهرة، ولكن حتمًا فإن صدى هذا الخطاب سيظل يتواصل فى انتظار المواقف العملية التى تترجم الأمانى والأحلام إلى واقع.