عرض مشاركة واحدة
  #7535  
قديم 10-11-2010, 12:33 PM
corsair
Guest
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: أشهر المحاكمات عبر التاريخ

المحاكمة الخامسة

محاكمة بيار لافال









من هو بيار لافال :



بدأ لافال مهنته السياسية مع الاشتراكيين. عام 1919 التحق لأول مرة بالبرلمان الفرنسي، بدءا من عام 1925 شغل عدة مناصب وزارية، كان بين عامي 1932 و 1933 وكذلك 1935 و 1936 رئيس وزراء فرنسا. مثل بلده عام 1934 بشأن مفاوضات زارلاند لدى عصبة الأمم، في عام 1935 شارك بصفته رئيسا للوزراء في اتفاقية هور ـ لافال، واقترح التفاوض بين فرنسا وبريطانيا لإبرام معاهدة صلح بين إيطاليا وإثيوبيا.


المحاكمة :


في الرابع من شهر تشرين الاول – اكتوبر من عام 1945 ، بدأت محاكمة بيار لافال ، رئيس وزراء فرنسا في حكومة الماريشال بيتان . لافال الذي يرى فيه معظم الناس المسؤول الاول عن معاناة الشعب الفرنسي في الفترة ما بين عامي 1940 – 1944 وهي الفترة التي كانت فيها فرنسا محتلة من قبل المانيا النازية . ولهذه الغاية ، تشكلت محكمة عليا ، نظرت في البدء في قضية الماريشال بيتان رئيس الدولة الفرنسية السابق ما بين تموز – يوليو واب – اغسطس سنة 1945 . وها هي اليوم تنظر في قضية لافال ، وبعد ذلك ، في قضايا جميع الوزراء والنافذين في حكومة فيشي . وهيئة المحلفين في هذه المحاكمة في هذه المحاكمة كانت قد تألفت من ستة وثلاثين محلفاً ، نصفهم من عناصر المقاومة والنصف الاخر من اعضاء مجلس النواب المنتخب في ظل الجمهورية الثالثة . غير ان هذا العدد عاد واختصر الى اربعة وعشرين : اثنا عشر منهم من البرلمانيين والاثنا عشر الاخرون من غير البرلمانيين . هذا التوزيع اثار انتقادات لاذعة من قبل الفرنسيين، ذلك ان الانتخابات النيابية لم تكن قد جرت بعد عندما تقرر ذلك . وهي لم تجر الا بعد ثلاثة اسابيع من بدء المحاكمة . يضاف الى ذلك ان الجمهورية الثالثة كانت غير قائمة فعلاً . فقد سبق واولت هذه الجمهورية كافة صلاحياتها الدستورية الى الماريشال بيتان . اما الجمهورية الرابعة ، فانها لم تبدأ قانوناً الا بعد انتخابات العاشر من تشرين الثاني – نوفمبر والثامن من كانون الاول – ديسمبر من سنة 1945 . كل هذا يعني ان ما تقرر بالنسبة لتشكيل هيئة المحلفين ، انما تقرر في الفراغ الدستوري ، وبالتالي ، يعتريه عيب جوهري .وقد اثار محامو بيتان هذه النقطه اثناء محاكمته . لكن المحكمة ردت الاعتراض واعتبرت نفسها صالحة للنظر في القضية . وهذا ما تم بالفعل . لذلك لم يعد من المفيد العودة الى هذه النقطة في محاكمة لافال . بدأت المحاكمة بعد ان احتل كل من الرئيس والاعضاء وهيئة المحلفين اماكنهم . اما المتهم ، فقد كان في القفص شاحباً ، مما يوحي بأنه كان مريضاً . مقاعد الدفاع وحدها كانت شاغرة . لماذا ؟ هذا السؤال طرحه الحضور كل على نفسه . وسرعان ما أتى الجواب عندما قرأ الرئيس كتاباً من محامي الدفاع الثلاثة يقولون فيه ان " التحقيقات التي سبق وطلبناها لم تؤمن ، على الرغم من الوعد بتأمينها . ونحن نخشى ان تؤدي السرعة في اجراء المحاكمة ، والتي املتها ضغوطات سياسية ، لا اعتبارات قضائية الى التضحية بالعدالة . يتضح هذا من قول رئيس المحكمة انه سينتهي من المحاكمة باكملها قبل الانتخابات ، ولو اضطره ذلك الى وصل الوقت صباحاً وظهر ومساء ". ولو علمنا ان الانتخابات عينت في 21 تشرين الاول – اكتوبر ، وان المحامي الذي كتب الرسالة باسمه واسم زميلة هو من قدام المقاومة ، ولا يكن بالتالي اي تعاطف مع المتهم ، وقد عينته المحكمة نفسها ، لاتضح الثقل الذي ارخت به الرسالة على المحكمة ، والاحراج الذي سببة لها . والواقع ان التحقيقات بمعظمها اختزلت ، ان لم نقل نسفت . فبعد ان كان قاضي التحقيق يزمع اجراء خمس وعشرين جلسة ، انزل العدد الى سبع ، ودون اي تعليل . هذا بالاضافة الى ثغرات اخرى في ملف الدفاع نفسه . وثغرات التحقيق والدفاع هذه حصلت بالطريقة عينها في ملف محاكمة بيتان التي تمت . غير ان مكابرة رئيس المحكمة ادت الى اعتبار رسالة محامي الدفاع نوعاً من الابتزاز وها هو يصرخ من على القوس منفعلاً : قلت واكرر انني لن اؤخذ بالمناورات . ولن اسمح بالعودة الى هذه النقطة ! وتلاه المدعي العام الذي استنكر هو الاخر رسالة الدفاع ، لا سيما ما جاء فيها من ان المحكمة تتأثر بضغوطات سياسية . لكن لافال ينتفض في قفصه ليصرخ في وجهه :
لكن الواقع هو ان هذا صحيح . وانت نفسك كنت في حكومتي ! واليوم تسوق ضدي تهماً من انواع مختلفة ، لا يحق لكم ذلك ، بامكانكم فقط قتلي . اما ما عدا ذلك فلا . ويعود المدعي العام لينتفض في وجه المتهم ملصقاً به مسؤولية ما حل بفرنسا من احتلال ومعاناة طوال خمس سنوات . واما عن اختصار التحقيقات ، فقد رد الملاحظة معتبراً انها تفتقر لاي دليل.


لكن لافال اجاب مدافعاً :
اذا كنت اقف متهماً في هذا القفص ، فلاني حاولت تجنيب بلادي ويلات الحرب . صحيح انني قابلت هتلر وموسوليني وستالين والبابا ، لكن الصحيح ايضاً انني فعلت ذلك من اجل فرنسا. وقد كنت مستعداً لمقابلة الشيطان والتحدث معه من اجل هذه الغاية .

وساد في القاعة صمت عميق . صمت قطعة المتهم عندما اكمل قائلاً :

غلطتي الكبرى هي انني وثقت بالماريشال بيتان . هذا الرجل لم يكن رجل الظرف . واذا كنتم تعتقدون انكم باتهامي تدافعون عن فرنسا ، فاني اقول لكم انكم بالاستماع الي تعرفون كم خدمت بلدي . اما عن التحقيقات ، فاني اطلب تمديد مهلتها ثمانية ايام للتوسع فيها .

ولم تقبل المحكمة الطلب . فينتقض لافال ثانية ويقول :

غريب هذا الامر فعلا ! اعتقد ان مثل هذا الطلب هام ، حتى ولو جاء في قضية سرقة واحد من المخازن الكبرى .

ويلتفت الى المدعي العام ليقول في وجهه :
قرأت قرار الاتهام الذي نظمته بحقي . انه عبارة عن مقال رديء في صحيفة . فالاتهامات التي تلصقها بي رهيبة . الهدنة ؟ الا ترى انه كان لا بد منها وانها كانت مطلب 99% من الفرنسيين ؟ ويضيف بعد تنهد :
عندما يحارب العسكريون عندنا ، فانما يحاربون بشكل سيء جداً . أما عندما يتدخلون في السياسة ، فان تدخلهم يكون أسوأ بكثير .

وحتى يعرف الجميع ان المقصود بهذه الملاحظة هو الجنزال ديغول ، فقد اضاف : استميح الجنرال ، الذي هو الان في السلطة ، عذراً لكنني اعتبر ، وهو في هذا الموقع ، انه مدني ليس الا . وتجري ملاسنة حادة بين المدعي العام والمتهم ، يصرخ في نهايتها هذا الاخير في وجه خصمه قائلاً :
لن تتمكنوا من السيطره على افكاري وعلى مشاعري . يمكنكم الحكم علي فوراً بالاعدام . احكموا علي فهذا سيكون اكثر وضوحاً .

وهنا ، ينفعل الرئيس ويأمر الشرطة باخراج المتهم . فيرد هذا قائلاً : لا لزوم لذلك . سأخرج وحدي .

ويخرج فيصفق له احد الوزراء في حكومة فيشي . وعندما عاد الهدوء الى القاعة ، أعلن الرئيس انه يرفع الجلسة لتعقد في اليوم التالي ، ولو دون وجود المتهم .

وخرج الحضور وفي اذهانهم ان شيئا ما غير طبيعي يحدث في هذه المحاكمة وان لافال كان على صواب عندما اشار اليه بوضوح . في اليوم التالي ، بدأت الامور مختلفة بعض الشىء . فقد اعلن الرئيس ان المحلفين رجوه بالاجماع ان يسمح للمتهم بالعودة الى القاعة شرط ان لا يعاود سلوكه بالامس ، تحت طائلة طرده نهائياً منها . اما محامو الدفاع ، فقد قطعوا امتناعهم عن الحضور واتوا جميعاً ليحتلوا مقاعدهم . جديد اخر ، وهو ان الاستماع الى رئيس الجمهورية السابق ، البير لوبرون ، قد ارجىء الى وقت اخر سيعلن فيما بعد .

بدأ محامي الدفاع الجلسة بتوضيح اساب عدم حضوره بالامس ، هو وزملاؤه ، قائلاً ان مستندات التحقيق لم تودع اياهم كلها . ولهذا استوجب " اعلان ذلك للملاً ، حتى يأخذ الرأي العام علماً به وبالتالي ، بالحد من حقوق الدفاع المقدسة " .

ثم انتقل الى انتقاد سوء معاملة موكله طوال فترة التوقيت . فالزنزانة التي وضع فيها لا مثيل لها في السجن لاي موقوف من الموقوفين السياسيين . هذه الملاحظة لم ترق للرئيس مما تسبب في تعكير الجو ، لولا ان تدخل نقيب المحامين ورطب الاجواء بعض الشيء. لكن الاعصاب كانت اصبحت من التوتر بحيث تنذر بما قد لا تحمد عقباه .

وانهى محامي الدفاع ملاحظاته بطلب اعادة القضية برمتها الى قاضي التحقيق لاستكمال الملف وسد الثغرات فيه . ويذكر ان المتهم طلب نفسه في جلسة الامس . وقد قال المحامي في هذا الصدد :

لماذا لا تكون قضية بيار لافال كبيرة قدر كبره ؟ لماذا نحرمه من ابسط مبادىء العدالة ونمنع عليه ضمانات تعتبر من المسلمات التي لا نقاش حولها ؟ اليس في هذا مناسبة لالقاء الضوء على سنوات اربع من تاريخنا الدراماتيكي ؟

وتلاوه زميله ، محامي الدفاع الثاني ، جاك بارادوك ، ليؤكد الطلب ، مبرراً اياه بصعوبة استدعاء السياسيين الذين يزمع دعوتهم للشهادة ، في خضم المعركة الانتخابية التي تخوضها البلاد . وانهى المحامي طلبه بهذا التساؤل ، والذي طرحه بنبرة الاتهام المبطن:

ما هي الاوامر التي وجهت اليك ، سيدي الرئيس ، للتتغاضى عن مثل هذه النواقص ؟ ويستشيط الرئيس غضباً واحراجاً ويرد على المحامي قائلاً :
امنعك من ان تكلمني بهذه اللهجة . وعليك ان تعلم انني لا اتلقى امراً من احد.وهذا نهجي منذ خمس واربعين سنه ، اي منذ بدات اتولى منصب القضاء .

وهنا يتدخل المتهم ليطلب من المحكمة ان تستكمل ان تستكمل اجراءات التحقيق وسط صخب اضطر الرئيس لرفع الجلسة بحجة التداول من الدفاع .

استمر رفع الجلسة ثلاثة ارباع الساعة خرجت هيئة المحكمة في اثرها ليعلن الرئيس ان طلب الدفاع مردود وان ملف التحقيقات لن يعاد الى قاضي التحقيق . وصرخ لافال من قفصه :
هذا معيب . انها فضيحة . انكم لا تحاكمون هنا شخصاً بقدر ما تحاكمون سياسة . ويرد عليه المدعي العام :
صحيح . نحن نحاكم سياسة . لكنها سياسة صنعها وجسدها هذا الشخص . فيردف لافال قائلاً :
طالما انكم ترفضون طلب استكمال نواقص التحقيق ، فاني اطلب ادراج الطلب ومناقشتة في الجريدة الرسمية . لعل في هذا تعويضاً عن الاجحاف وطعن العدالة .
لقد استعاد لافال ذاته . انه يتحدث ، كما كان بالامس كرئيس للوزراء ، لا كمتهم . يتحدث وهو جالس بملء راحته على كرسيه في قفص الاتهام . وقد يكون هذا السلوك من دواعي الامتعاض الذي بدا واضحاً على وجوه اعضاء المحكمة وهيئة المحلفين . ويكمل الرئيس استجوابه وسط هذا الجو المشحون .
الم تكن تمارس سيطرتك وتأثيرك على الرئيس بيتان بما كان يتخذه من قرارات ؟
ابداً .... كان يكفي ان ابدي له رأياً ليعمل بعكسه .
لكنك كنت في فترة من الفترات وزير دولة ومرشحاً لخلافة بيتان .
وزير دولة ! واي يد لي في هذا المنصب ؟ لم يكن التقليل من دور لافال امام الماريشال بيتان بالامر الجديد . لقد حاول ايهام الجميع بهذا منذ الجلسة الاولى ، ساعة لمح الى الخلافات المستمرة بينه وبين رئيسه . ويسترسل قائلاً :
لم يكن موضوع خلافة بيتان بالامر المهم بالنسبة لي ، واذا كنت قد فكرت به في يوم من الايام ، فذلك حتى لا أترك الساحة ، بعد رحيل الماريشال ، لاي عسكري مثله ، كنت مقتنعاً بأن رجلاً مدنياً يتسلم السلطة خير من اي عسكري . وهذا تفكير مبدئي لا يدخل الاشخاص في تكوينه. وهو ينطلق من مصلحة البلد العليا . ثم يكمل مدفوعاً بالحماسة ، التي شحنته بها عبارته عن البلد ومصلحته العليا ، وكأنه على منصة بلقي خطاباً سياسياً خطيراً :
واذكركم ، انفعلت عندما رأيت مرة تلك العبارة " نحن ، فليب بيتان" يتوج بها توقعيه . قلت يومئذ في نفسي ان التاريخ يعيد البلد الى الوراء ، الى عهد الملكية . وهذا ما اغاظني في العمق .
وهل ابديت احتجاجاً على هذا ؟
وهل ينفع احتجاج مع الماريشال ؟
لكنك مع ذلك ، قبلت منصباً رفيعاً في حكومته .
لا منصب رفيعاً معه ، لانه يملك كل الصلاحيات . كان دون سواه ، كل شيء . ولازلت اذكر ما قتله له ذات يوم من انه يحكم كما لم يحكم اي ملك من ملوك فرنسا ، ابان عهود الملكية المتمادية . لم يجبني . لكنه ، في اليوم التالي ، واثناء اجتماعي به ، قال لي : " هل تشك بأن صلاحياتي تفوق بكثير ما كان لويس الرابع عشر بملك " ؟ .
ومع ذلك احتفظت بمنصبك في حكومته !
احتفظت به كما احتفظ به الجميع ، كل في الموقع الذي هو فيه .


في هذا الجو ، انتهت جلسة اليوم . وفي اليوم التالي ، في السادس من تشرين الاول – اكتوبر ، بدأ المتهم الجلسة بطلب الكلام . اثار قضية غيار – بوراجاس ، الذي حكم بالاعدام غيابياً لاشتراكه في عملية بيع صحيفة مارسيلية الى الالمان والتجسس لحسابهم . وكان اسم لا فال قد تلوث بها ، لكنه لم يحاكم، كما لم يمثلل امام المحكمة لوجوده انئذ في اسبانيا ، لقد أراد المتهم من اثارته لهذه القضية ان يربك المحكمة عن طريق اعادتها الى قوانين اصدرتها حكومة فيشي بضغط نازي . وهذه القوانين هي التي طبقتها المحكمة في القضية المذكورة ، لكن المدعي العام رفض هذه العودة الى الوراء قائلاً للمتهم :

لكن هذه القوانين اقترنت بتوقيعك عندما كنت في الحكم .
وانت طبقتها .
ابداً . وتدخل الرئيس لحسم الجدال واعادة بعض الهدوء الى القاعة ، وسأل المتهم :
بالامس سألتك كيف بقيت في منصبك في حكومة فيشي وسط هذا الجو المشحون بالضغوطات النازية وبفرض اراده المحتل . والجواب لا شك هو ان الالمان هم الذين وضعوك في هذا الموقع وارادوا لك الدور .
لا ، سيدي الرئيس .
بلى – علماً بأني لا اود ان اتخذ صفة الاتهام . لكني القي ضوءاً ربما يكون في ذلك بعض الفائدة . هنا ، بدأت همهمة في القاعة . صحيح ان معظم الحضور لا يتعاطف مع لافال ، لكن تنصيب الرئيس نفسه في مركز الاتهام لم يرق لهم . فهذا مخالف لابسط قواعد اصول المحاكمة وطعن للعدالة في الصميم . وينتزها لافال ليهاجم . وتدب الفوضى في القاعة . ووسط هذه الفوضى ينطلق المتهم كالنمر في وجه الرئيس والاعضاء :
امام ما خلقته بمخالفتك للاصول وكذلك ما يحويه ملف التحقيق من ثغرات وانحرافات ، ارى نفسي امام صعوبات لست مسؤولاً عنها .....
ولست مسؤولاً كذلك عن افعالك طوال اربع سنوات من العمالة اليس كذلك ؟
طالما ان المحكمة تطرح السؤال وتعقيبه بالجواب ، فأني أرى ان نتوقف عند هذا الحد ، حفاظاً على حرمة العدالة وجلالها . ويتدخل احد المحلفين للدفاع عن موقف الرئيس فتختلط الاصوات وتدب الفوضى . ويحاول صوت الرئيس ان ينفذ ليسال المتهم :
الكلمة الان للمحكمة . هل يرغب المتهم بالاجابة عن اسئلتها ؟
لا .
احذرك من مغبة هذا الموقف . مرة ثانية ، هل تجيب عن الاسئلة .
كلا ، طالما ان الطريقة في طرح الاسئلة هي اياها ، وطالما ان الاسئلة تطرح . بروح عدائية.
حسناً . رفعت الجلسة . قال الرئيس هذا وهو يغلي حنقا وحرجاً . ويعود الهرج والمرج على اشده . حتى ان بعض المحلفين توصل الى رفع الايدي في وجه المتهم والى اغراقه بالسباب والشتائم :
محرض ...!
سوف تلقاها ، رصاصاتك الاثنتي عشرة !
بل حبل المشنقة !
سنسمعك تعوي بعد خمسة عشر يوماً ! وعندما قال له محلف اخر بلهجة مليئة بالحقد :
لم تتغير ! أجابه :
ولن اتغير . ظلت الجلسة مرفوعة بعض الوقت . وعندما عادت والتأمت ، بدأها المتهم بقوله :
ان الطريقة التي تعاملني بها محكمتكم تطعن العدالة في الصميم . وحتى لا اكون شريكاً في هذه الجريمة تساق ضد العدالة ، فاني اعلن امتناعي عن الكلام . ويرد عليه الرئيس بقولة :
يعني ذلك انك لا زلت ترفض الاجابة ، اليس كذلك ؟ أجل . ويهز الرئيس كتفة مبدياً بوضوح عجزه في الامر . وبعد ذلك يأمر بمباشر المحكمة ان يدخل الشاهد الاول . لكن مهزلة جديدة تبدأ وسط الفوضى والضجيج . لم يكن منتظراً ان يستدعى الشهود في هذه الجلسة . ذلك ان استجواب المتهم كان سيستغرق جلسات ، مما لم يتم معه استدعاء اي شاهد هذا اليوم . أمام الواقع المخزي ، اعلن الرئيس تعليق الجلسة ، أسرع في ارسال الامر المباشر ليفتش في طول باريس وعرضها عن واحد من شهود الادعاء الاربعة ، رئيس الجمهورية السابق البير لوبرون ، السفير ليون نويل ، الجنرال وأمين سر مجلس الشيوخ السابق دي لا بومراي . في هذه الاثناء ، ارسل رئيس المحكمة ايضاً احد موظفية الى المتهم ليقنعه بالعدول عن موقفة والتجاوب مع المحكمة برده على اسئلتها . لكن موقف لافال كان صلباً :
لا تراجع . كل ما يجري هو من صنع المحكمة . فليحكموا علي ، انما لن يحاكموني . وعادت المحكمة الى الانعقاد وسط احراج لها كبير . فلا المتهم ولا محاموه الثلاثة ، الذين تضامنوا معه ، حاضرين في مقاعدهم . مخرج صغير اتيح بشق النفس : لقد حضر ، او أحضر، شاهد واحد من الاربعة ، وهو الرئيس السابق للجمهورية ، البير لوبرون ، وقف هذا الشاهد ليعلن انه ليس لديه ما يقوله وما يمكن ان يكون مفيداً . اكتفى بسرد بعض الوقائع عن تسلم الافال الحكومة وعن الهدنة . وكلها لا تؤثر في صلب سير المحاكمة او في القضية من قريب او بعيد . كان من المتوقع ان يستمر المناقشات ما يقرب من ثلاثة اسابيع . لكن السؤال هو كيف لهذا الوقت ان يملأ وملف التحقيق شبه فارغ ؟ ناهيك عن اصرار المتهم على عدم المثول امام المحكمة ! وهكذا كانت جلسة الثامن من الشهر تتخبط في جو باهت من الفراغ في الشكل وفي الاساس . فمقاعد المتهم ومحامية فارغة . اما المناقشات ، فكانت تافهة لدرجة انها لم تثير اهتمام احد . حتى الشهود الادعاء ، ومنهم الجنرال دوايين وامين السر العام لمجلس الشيوخ وعضو اتحاد العمال ، فكثيراً ما كانوا يغرقون الاخرين من تفاصيل مملة وسخيفة . واللحظة الوحيدة ، طوال هذه الجلسة والتي وجد فيها الحاضرون انفسهم مشدودين بعض الشىء الى أمر على قدر من الاهمية ، هي تلك التي قال فيها عضو الاتحاد هذا كيف ان الافال كان يستعجل فيها حكام المقاطعات على القاء القبض على العمال المعارضين لسياسته وزجهم في السجون . وقد بلغ عددهم خمسين الفاً ذهبوا ولم يرجعوا . وجاء دور شهود الدفاع : ادوار هيريو ، بول بونكور ، البيرسارو ، بول رينو ، ليون بلوم والجنرالات دونين وبريدو ودي بيناي . والغريب ان احداًمن هؤلاء لم يكن حاضراً . جميعهم ، وهم من السياسين ، كانوا منهمكين في معاركهم الانتخابية بعيداً عن باريس . وبغية كسر الجليد الذي تراكم منذ بداية هذه الجلسة ، فقد امر المدعي العام كاتب المحكمة بقراءة الشهادة الخطية المقدمة من السيد غازيل ، وهو دبلوماسي فرنسي سابق عمل في اسبانيا . ولشد ما كانت الدهشة مروعة للمحكمة بكافة عناصرها عندما لوحظ ان هذه الشهادة لا تمت للقضية بصلة وأنها ضمت سهواً الى الملف ! وحتى يستوعب الاستهجان الذي بدا واضحاً على الوجوه ، صرخ الرئيس بوجه الكاتب قائلاً له :
ما هذا الذي تتلوه ؟! وبذلك اضيف مهزلة الى المهازل المتراكمة في تلك المحاكمة ، التي تنظر في الواقع ، بأربع سنوات من حياة فرنسا ، اربع سنوات ، ربما كانت الاخطر في تاريخ هذا البلد الطويل . بعد ذلك ، وللتخلص من الورطة ، أمر الرئيس برفع الجلسة لتعقد بعد قليل وفي بداية الجلسة التالية ، رأت المحكمة أن تقرأ الصفحات الخمس عشرة ، التي يتألف منها ملف التحقيقات . لكنها، وقد وجدت ان القراءاة ستستغرق وقتاً قليل ، طرحت فكرة قراءة مقتطفات فقط . ولم تحتج الى عناء لاقناع هيئة المحلفين بالفكرة فموافقتها جاءت فورية ، وهذا دليل اخر ، يضاف الى الالة السابقة ، على استهتار وسطحية ، قلما لوحظ مثلهما في محاكمة اخرى . هذا الجو استمر في جلسة التاسع من الشهر ، وبعمق اكبر . كان على المحكمة ان تستمع في هذه الجلسة الى شهادة ليون نويل ، سفير فرنسا الذي سبق وأدلى بشهادة في قضية الماريشال بيتان . تقدم هذا الشاهد الى المنصة . وعندما طلب منه الرئيس حلف اليمين ، رفض قائلاً انه سبق ان حلفها قبل شهادته المدونة في ملف التحقيق ، وانه لا يرى مسوغاً لحلفها طالما ان المتهم ومحاميه متغيبون ، وبالتالي ، لا يسعهم مناقشتها والدفاعفيها . وغادر الشاهد القاعة ملقناً المحكمة درساً في اصول المحاكمات ، وكذا في الحفاظ على حد ادنى من الاعتبار للعدالة وحرمتها .وسط الضيق والحرج اللذين سببهما هذا التصرف للمحكمة بكامل هيئتها ، وقف المدعي العام يلقي مرافعته . كان بارداً ، بل ومتعباً . وبكلمة مختصرة ، كان غير موفق . ومما زاد الطين بلة ، انه لم يتورع عن القول ان هذه المحاكمة ينقصها الوضوح في الرؤية والصفاء في المعطيات . قالها وكأنه غير مسؤول ، مع سائر المسؤولين ، عن هذا الواقع . وأضاف متسائلاً :
كيف لا تكون هذه المحاكمة كذلك ، والمتهم اصر منذ الجلسة الاولى على عدم المشاركة ؟ ويضاف اختصار الى اختصار . فقد كانت مرافعة المدعي العام قصيرة ولم تعقبها مرافعات الدفاع او ملاحظات المتهم . وهكذا ، في الساعة الرابعة والدقيقة العاشرة ، بدأت خلوة المداولة ولم تستمر اكثر من ساعة واحدة . ساعة واحدة في قضية على هذا القدر من الاهمية والتشعب . وصدر الحكم المنتظر . الاعدام بسبب " محاولة قلب نظام الحكم الجمهوري والتعامل مع العدو والخيانة العظمى " وأعقب هذا الحكم ملحق بمصادرة ممتلكات لافال بكاملها لصالح الامة . وعندما ابلغ المحكوم الحكم ، استمع اليه بهدوء ثم قال :
مؤسف لانهم لم يتركوا لي مزيداً من الوقت لاكتب صفحات اخرى من تاريخ فرنسا . وأضاف:
ليس في نيتي التقدم بطلب التماس للعفو . كانت الضجة التي احدثها هذا الحكم كبيرة في فرنسا . لم يكن الاحتجاج عليه لانه انزل عقوبة بمن تعاون مع العدو النازي ، لكن الثغرات التي لم تستكمل في التحقيقات وتحيز المحكمة طوال المحاكمة هي التي القت بظلال كثيفة على القضية واحاطتها بأكثر من علامة استفهام . وهرع محامو لافال الى محاولة ، بل محاولات انقاذ موكلهم . في العاشر من الشهر ، طلبوا مقابلة رئيس الحكومة ، الجنرال ديغول وفي الحادي عشر منه ، توجهوا الى شخصيات عدة يمكن ان تكون مفيدة في هذا الاطار . منها رئيس الحكومة السابق ، بول رينو ، الذي قبل ان ينشر في جريدته ، النظام ، مقالاً ينتقد اجراءات المحاكمة دون جوهرها . اما ليون ، صرح بأنه لا يعتقد ان لافال كان طيباً بقدر ما يعتقد انه كان مسالماً اكثر من اللازم . واستغرب كيف ان فوتت فرصة عدم التوسع في المحاكمة . ذلك انها ، في نظره ، مشوقة ومفيدة في ان معاً . في اليوم التالي ، اي في الثاني عشر ، وعند الساعة السابعة مساءً ، استقبل الجنرال ديغول المحامين الثلاثة في مكتبه . كانت المقابلة بروتوكولية . وبعدما شرح احد المحامين وجهة نظره وطلب اعادة المحاكمة ، سألهم الجنرال عماً اذا كان لديهم ما يضيفونه ، ووقف منهيا المقابلة ومودعاً اياهم بلباقة كلية . وكان الجنرال في ظهيرة اليوم نفسه ، قد صرح لصحفين انكليز جاؤوا يسألونه عن القضية انه لن تكون هناك " محاكمة ثانية للافال " . خرج المحامون من مكتب الجنرال . وفي الغرفة الملاصقة ، حيث مكتب مدير قضايا العفو ، رأوا مدير مكتب الرئيس ، غاستون بالوسكي ، يدخل عند الرئيس وفي يده نسخة من مجموعة القوانين . وها هو يخرج بعد لحظات ليعلن للمحامين الثلاثة ان الرئيس سيطلب استشارة من حارس الاختام الموجود حالياً في مدينة رين لادراة حملته الانتخابية . وعلى هذا ، فانه سيرسل اليه غداً رسالة محمولة بالطائرة مع احد موظفي وزراة العدل لهذه الغاية . اسرع المحامون الى الكاتب فرنسوا مورياك لينشر في جريدة الفيغارو مقالاً اخر يضيفه الى مقالاته التي باشر بنشرها منذ ايام ، وفيها ينتقد سياية التصفيات التي تتبعها المحاكم للتخلص من خصوم غير مرغوب فيهم . وقد اراد المحامون بهذه الخطوة دفع الحكومة والمحكمة العليا لتقرير اعادة المحاكمة ، خوفاً من التلوث في الاتهام بنحر العدالة . لم يكتب مورياك المقال . لكنه كتب ، بعد شىء من النقاش ، رسالة الى حارس الاختام حملتها الطائرة ، التي حملت رسالة ديغول . يوم الثالث عشر ، لم يرشح اي خبر من رئاسة الحكومة . اليوم التالي ، كان يوم أحد . ويوم الاحد لا تنفذ احكام اعدام . مساء ذلك اليوم الطويل ، رن جرس التلفون في مكتب احد المحامين، الاستاذ البيرنو ، ليعلن المتحدث عبر الخط :
سيدي ، انا مكلف من الرئاسة بابلاغك ان بيار لافال سيعدم غداً صباحاً . اللقاء امام قصر العدل ، حيث ستكون بانتظارك سيارة تنقلك الى مكان التنفيذ .


وهكذا حسم الموضوع ، ولن تكون هناك اعادة للمحاكمة . ما ان انتهت تلك المخابرة الهاتفية حتى توجه المحامون الى السجن حيث يقبع موكلهم في احدى زنزاناته . دخلوا اليه بعد اذت خاص ، وبعد ان اشير اليهم بعدم ابلاغه موعد تنفيذ الحكم . وقد وجدوا لافال اخر ، لم يعد ذلك الرجل القوي والمتغطرس ، لقد حل محله انسان اخر ، انسان يتمسك بالحياة ويريد ان يستمر فيها . وها هو يتوجه الى محاميه يطلب ان يتصلوا بشخصيات ، سماها لهم ، ممن يمكن ان يكونوا مفيدين في اطار طلب العفو او اعادة المحاكمة . ولم يكتف بذلك ، بل اشار اليهم ان يمسكوا اقلاماً وورقاً ليملي عليهم رسائل بهذا الشأن . كان عصبياً ومتشنجاً وهو يردد : أرفض ان أموت . أرفض . انه يرفض ان يموت ، ولكن اليس بعد فوات الاوان ؟ وارتبك المحامون . اطاعوه في كتابة الرسائل ولم يكتشفوا له السر الرهيب . كانت الساعة تدق الثامنه صباحاً ، يوم الرابع عشر من شهر تشرين الاول – اكتوبر من عام 1945 ، عندما بدأ المكلفون بالتنفيذ ، من رسميين وسواهم ، بالصعود الى السيارات التي ستقلهم الى السجن . وصلوا ودخلوا زنزانة لافال . اما سائر الزنزانات ، فقد اغلقت شبابيكها الصغيرة المطلة على الممر حتى لا يرى المحكومين الاخرون ترتيبات تنفيذ حكم باعدام محكوم زميل لهم. فتح الحارس المكلف زنزانة لافال الذي كان نائماً . لحق به المدعي العام وربت على كتفه ليوقظه . نهض المسكين ، فقال له المدعي العام :
بيار لافال ، حان الوقت ، تهيأ للموت بشجاعة . لم يجب لافال . ولم يتحرك . تقدم أحد محاميه وهزه قليلاً قائلاً له :
أرجوك يا سيدي . من أجلك ، من أجل محاميك ، من أجل التاريخ ، تشجع . واستمر لافال في جموده بعض الوقت . أخيراً ، التفت ببطء وأفلت زجاجة صغيرة فارغة كان يمسكها بيده . لقد تجرع السم .ويتقدم الطبيب الشرعي بسرعة ليتفحص الزجاجة ويقول :
انه السيانور وتسترعي انتباه الحضور قصاصة ورق كتب عليها :
ارفض ان أموت برصاصات فرنسية . لا اريد ان يشترك جنود فرنسيون في قتل القانون . لقد اخترت موتي بسم الرومان . هذا السم ، سبق وخبأته في طيات ثيابي . وأسرع طبيبي السجن الى اسعاف لافال المحتضر ، بعد ان رفض الطبيب الشرعي هذه المهمة متذرعاً بموقف انساني . اسرع الى الحقن اللازمة وغسيل المعدة . وقد دام هذا الاسعاف قرابة ساعتين . وحوالي الساعة الثانية عشرة ظهراً ، وكان لافال قد تماثل الى الشفاء ، اذاعت وزارة العدل بياناً فيه من البلية ما يضحك : قال البيان : " لم تعد حياة بيار لافال في خطر " وهذا يعني ان الاعدام سيتم . وبعد لحظات ، كان لافال قد لبس ثيابه ووضع باقته البيضاء ووشاحه ذا اللونين . كما كان قد مشط شعره ووضع قبعته على رأسه .أرادوا ايجلسوه على كرسي لينقلوه الىحيث الاعدام فرفض قائلاً :
رئيس وزراء فرنسا يموت واقفاً . سأستجمع قواي لاصمد هذه اللحظة التي بقيت في حياتي . وبسبب الحالة الصحية التي وصل اليها فقد رأى أولو الامر ان ينفذ الحكم في فناء السجن ، لا في قلعة شاتيون ، كما كان مقررا . والتفت الى القضاه الذين حكموا عليه وقال لهم :
لقد اردتم حضور هذا المشهد . ابقوا اذاً حتى النهاية . وعندما طلب ان يسمح له باعطاء الامر ، هو ، للجنود المكلفين بالاطلاق النار ، رفض طلبه لانه " مخالف للقانون " . عندما ، التفت الى هؤلاء وقال لهم :
انا اسامحكم . فأنتم غير مسؤولين . صوبوا نحو القلب . تحيا فرنسا وقبل ان ينهي مرة ثانية عبارة " تحيا فرنسا " كان كل شيء قد انتهى . مات بيار لافال وكانت الساعة تشير الى الثانية عشرة والدقيقة الثانية والثلاثين ظهراً .






المحاكمة السادسة


محاكمة ريّا وسكينة




بداية تلقي البلاغات

نحن الآن في منتصف شهر يناير ١٩٢٠ حينما تقدمت السيدة زينب حسن وعمرها يقترب من الأربعين عاما ببلاغ إلي
حكمدار بوليس الاسكندريه عن اختفاء ابنتها نظله ابو الليل البالغه من العمر ٢٥ عاما!..كان هذا هو البلاغ الاول الذي
بدأت معه مذبحه النساء تدخل الي الاماكن الرسميه.وتلقي بالمسؤلية علي اجهزة الامن..قالت صاحبه البلاغ إن ابنتها
نظله اختفت من عشرة أيام بعد إن زارتها سيدة تاركه (غسيلها) منشورا فوق السطوح.. تاركه شقتها دون أن ينقص
منها شيء! وعن أوصاف الابنة التي اختفت قالت ألام أنها نحيفة الجسد ..متوسطه الطول..سمراء البشرة..تتزين
بغوايش ذهب في يدها وخلخال فضه وخاتم حلق ذهب !.وانتهي بلاغ ألام بانها تخشي أن تكون ابنتها قد قتلت بفعل
فاعل لسرقة الذهب الذي تتحلي به !..وفي ١٦ مارس كان البلاغ الثاني الذي تلقاه رئيس نيابة الاسكندريه الاهليه من محمود مرسي عن اختفاء أخته زنوبه حرم حسن محمد زيدان.الغريب والمثير والمدهش أن صاحب البلاغ وهو يروي قصه اختفاء أخته ذكر اسم ريه وسكينه ..ولكن الشكوك لم تتجه اليهما !وقد أكد محمود مرسي أن أخته زنوبه خرجت لشراء لوازم البيت فتقابلت مع سكينه وأختها ريه وذهبت معهما الي بيتهما ولم تعد أخته مرة أخري !وقبل أن تتنبه أجهزة الأمن إلي خطورة ما يجري أو تفيق من دهشتها امام البلاغين السابقين يتلقي وكيل نيابه المحاكم الاهليه بلاغا من فتاة عمرها خمسه عشرة عاما اسمها...........(أم إبراهيم) عن اختفاء أمها زنوبه عليوة وهي بائعة طيور عمرها ٣٦ عاما ..ومرة اخري تحدد صاحبه البلاغ اسم سكينه
باعتبارها اخر من تقابل مع والدتها زنوبه!في نفس الوقت يتلقي محافظ الاسكندرية بلاغا هو الاخر من حسن الشناوي..الجنايني بجوار نقطه بوليس المعزورة بالقباري..يؤكد صاحب البلاغ ان زوجته نبويه علي اختفت من عشرين يوما!ينفلت الامر وتصحبه الحكايات علي كل لسان وتموج الاسكندريه وغيرها من المدن بفزع ورعب غير
مسبوقين فالبلاغات لم تتوقف والجناة المجهولون مازلوا يخطفن النساء بلاغ اخر يتلقاة محافظ الاسكندريه من نجار اسمه محمد احمد رمضان عن اختفاء زوجته فاطمه عبدربه وعمرها ٥٠ عاما وتعمل (شيخه مخدمين) ويقول زوج فاطمه انها خرجت ومعها ٥٤ جنيها وتتزين ب ١٨ غويشه وزوج (مباريم) وحلق وكلها من الذهب الخالص- ويعط
الرجل اوصاف زوجته فهي قمحيه اللون طويله القامه فقدت البصر بعينها اليمني ولهذا ينادونها بفاطمه العوراء كما انها ترتدي ملاءة (كوريشه)سوداء وجلباب كحلي وفي قدميها تلبس صندل!ثم كان بلاغ عن اختفاء فتاة عمرها ١٣ عاما
اسمها قنوع عبد الموجود و بلاغ أخر من تاجر سوري الجنسية اسمه الخواجة وديع جرجس عن اختفاء فتاة عمرها ١٢ عاما اسمها لولو مرصعي تعمل خادمه له خرجت لشراء أشياء من السوق ولم تعد ..البلاغات لا تتوقف والخوف يسيطر علي كل البيوت وحكاية عصابة خطف النساء فوق كل لسان بلاغ أخر عن اختفاء سليمة إبراهيم الفقي بائعه
الكيروسين التي تسكن بمفردها في حارة اللبان ثم بلاغ اخر يتلقاة اليوزباشي إبراهيم حمدي نائب مأمور قسم بوليس اللبان من السيده خديجه حرم احمد علي الموظف بمخازن طنطا قالت صاحبه البلاغ وهي سودانية الجنسية أن ابنتها
فردوس اختفت فجأة وكانت تتزين بمصاغ ثمنه ٦٠ جنيها وزوج أساور ثمنه ٣٥ جنيها وحلق قشرة وقلب ذهب معلق بسلسلة ذهب وخاتمين حريمي بثلاثة جنيهات هذة المرة يستدعي اليوزباشي إبراهيم حمدي كل من له علاقة بقصه اختفاء فردوس وينجح في تتبع رحله خروجها من منزلها حتى لحظه اختفائها وكانت المفاجئه أن يقفز اسم سكينه من
جديد لتكون أخر من شوهدت مع فردوس!ويتم استدعاء سكينه ولم تكن المرة الأولي التي تدخل فيها سكينه قسم البوليس لسؤالها في حادث اختفاء احدي السيدات ومع هذا تخرج سكينه من القسم وقد نجحت ببراعة في إبعاد كل الشبهات عنها وإبطال كل الدلائل ضدها!عجزت أجهزة الأمن أمام كل هذه البلاغات وكان لابد من تدخل عدالة السماء لتنقذ الناس من دوامه الفزع لتقتص للضحايا وتكشف الجناة وهنا تتوالي المفاجآت من جديد حينما تحكم عدالة السماء قبضتها و تنسج قصة الصدفه التي ستكشف عن أكبر مذبحه للنساء في تاريخ الجريمة في مصر


كانت البداية صباح ١١ ديسمبر ١٩٢٠ حينما تلقى اليوزباشى إبراهيم حمدي إشارة تليفونيه من عسكري الدوريه بشارع
أبي الدرداء بالعثور علي جثه امرأة بالطريق العام وتؤكد الإشارة وجود بقايا عظام وشعر راس طويل بعظام الجمجمة
وجميع أعضاء الجسم منفصلة عن بعضها وبجوار الجثة طرحه من الشاش الأسود وفردة شراب سوداء مقلمه بأبيض
ولا يمكن معرفه صاحبه الجثة ينتقل ضباط البوليس الي الشارع وهناك يؤكد زبال المنطقة انه عثر علي الجثه تحت
طشت غسيل قديم وامام حيره ضابط البوليس لعدم معرفه صاحبه الجثه وان كانت من الغائبات ام لا يتقدم رجل ضعيف
البصر اسمه احمد مرسي عبدة ببلاغ الي الكونستابل الإنجليزي جون فيليبس النوبتجي بقسم اللبان يقول الرجل في
بلاغه انه اثناء قيامه بالحفر داخل حجرته لإدخال المياة والقيام ببعض أعمال السباكة فوجئ بالعثور علي عظام أدميه
فأكمل الحفر حتي عثر علي بقيه الجثه التي دفعته للابلاغ عنها فورا يتحمس ملازم شاب بقسم اللبان امام البلاغ المثير
فيسرع بنفسه الي بيت الرجل الذي لم يكن يبعد عن القسم اكثر من ٥٠ مترا يري الملازم الشاب الجثه بعينيه فيتحمس
اكثر للتحقيق والبحث في القضيه المثيرة ويكتشف في النهايه انه امام مفاجاة جديده لكنها هذة المرة من العيار الثقيل جدا
اكدت تحريات الملازم الشاب ان البيت الذي عثر فيها الرجل علي جثه ادميه كان يستأجرة رجل اسمه محمد احمد
السمني وكان هذا السمني يؤجر حجرات البيت من الباطن لحسابه الخاص ومن بين هؤلاء الذين استأجروا من الباطن
في الفترة الماضيه سكينه بنت علي وصالح سليمان ومحمد شكيرة وان سكينه بالذات هي التي استأجرت الحجرة التي
عثر فيها الرجل علي الجثه تحت البلاط واكدت تحريات الضابط المتحمس جدا ان سكينه استاجرت من الباطن هذه
الحجرة ثم تركتها مرغمه بعد ان طرد صاحب البيت بحكم قضائي المستاجر الاصلي لهذة الغرف السمني وبالتالي
يشمل حكم الطرد المستأجرين منه من الباطن وعلي راسهم سكينه وقال الشهود من الجيران ان سكينه حاولت العودة
الي استئجار الغرفه بكل الطرق والاغراءات لكن صاحب البيت ركب راسه واعلن ان عودة سكينه الي الغرفه لن تكون
الا علي جثته والمؤكد ان صاحب البيت كان محقا فقد ضاق كل الجيران
بسلوك سكينه والنساء الخليعات اللاتي يترددن عليها مع بعض الرجال البلطجيه !أخيرا وضع الملازم الشاب يده علي
اول خيط لقد ظهرت جثتان احدهما في الطريق العام وواضح انها لامرأة والثانيه في غرفه كانت تستأجرها سكينه
وواضح ايضا انها جثه امرأة لوجود شعر طويل علي عظام الجمجمه كما هو ثابت من المعاينه وبينما الضابط لا يصدق
نفسه بعد ان اتجهت اصابع الاتهام لاول مرة نحو سكينه كانت عداله السماء مازالت توزع هداياها علي اجهزة الامن
فيتوالي ظهور الجثث المجهوله استطاعت ريا ان تخدع سكينه وتورطها واستطاعت سكينه ان تخدع الشرطه وتورط
معها بعض الرجال لكن الدنيا لم تكن يوما علي مزاج ريه او علي كيف سكينه ومهما بلغت مهارة الانسان في الشر فلن
يكون ابدا اقوي من الزمن وهكذا كان لابد ان تصطدم ريا وسكينه بصخرة من صخور الزمن المحفور عليها القدر
والمكتوب



أدلة الاتهام


بعد ان ظهرت الجثتان المجهولتان لاحظ احد المخبريين السريين المنتشرين في كل انحاء الاسكندريه بحثا عن ايه اخبار
تخص عصابه خطف النساء لاحظ هذا المخبر واسمه احمد البرقي انبعاث رائحه بخور مكثفه من غرفه ريا بالدور
الارضي بمنزل خديجه ام حسب بشارع علي بك الكبير واكد المخبر ان دخان البخور كان ينطلق من نافذة الحجرة
بشكل مريب مما اثار شكوكه فقرر ان يدخل الحجرةالتي يعلم تمام العلم ان صاحبتها هي ريه اخت سكينه الا انه كما
يؤكد المخبر في بلاغه اصابها ارتباك شديد حينما سالها المخبر عن سر اشعال هذة الكميه الهائلة من البخور في
حجرتها وعندما اصر المخبر علي ان يسمع اجابه من ريه اخبرته انها كانت تترك الحجرة وبداخلها بعض الرجال
اللذين يزرونها وبصحبتهم عدد من النساء فاذا عادت ريا وجدتهم انصرفوا ورائحه الحجره لا تطاق اجابت ريا اشعلت
الشك الكبير في صدر المخبر السري احمد البرقي الذي لعب دورا كبيرا فاق دور بعض اللواءات الذين تسابقوا فيما بعد
للحصول علي الشهرة بعد القبض علي ريا وسكينه بينما تواري اسم المخبر السري احمد البرقي . لقد اسرع المخبر
احمد البرقي الي اليوزباشي ابراهيم حمدي نائب مامور قسم اللبان ليبلغه في شكوكه في ريا وغرفتها ، علي الفور تنتقل
قوة من ضباط الشرطه والمخبرين والصولات الي الغرفه ليجدوا انفسهم امام مفاجأة جديده لقد شاهد الضابط رئيس
القوة صندرة من الخشب تستخدم للتخزين داخلها والنومفوقها ويامر الضابط باخلاء الحجرة ونزع الصندرة فيكتشف الضابط من جديد ان البلاط الموجود فوق ارضية الحجرة
وتحت الصندرة حديث التركيب بخلاف باقي بلاط الحجرة يصدر الامر بنزع البلاط وكلما نزع المخبرون بلاطه
تصاعدت رائحه العفونه بشكل لا يحتمله انسان تحامل اليوزباشي ابراهيم حمدي حتي تم نزع اكبر كميه من البلاط
فتطهر جثة امرأة تصاب ريا بالهلع ويزداد ارتباكها بينما يأمر الضابط باستكمال الحفر والتحفظ علي الجثه حتي يحرر
محضرا بالواقعه في القسم ويصطحب ريا معه الي قسم اللبان لكنه لا يكاد يصل الي بوابة القسم حتي يتم اخطاره
بالعثور علي الجثه الثانيه بل تعثر القوة الموجودة بحجرة ريا علي دليل دامغ وحاسم هو ختم حسب الله المربوط في
حبل دائري يبدو ان حسب الله كان يعلقه في رقبته وسقط منه وهو يدفن احدي الجثث لم تعد ريا قادرة علي الانكار
خاصه بعد وصول بلاغ جديد الي الضابط من رجاله بالعثور علي جثه ثالثه.



مرافعة رئيس النيابة تنهي حياة السفاحتين

ووضعت النيابه يدها علي كافه التفاصيل ليقدم رئيس النيابه مرافعه رائعه في جلسه المحاكمه التي انعقدت يوم ١٠ مايو عام ١٩٢١ وكان حضور المحاكمه بتذاكر خاصه اما الجمهور العادي الذي كان يزدحم بشده لمشاهده المتهمين في
القفص فكان يقف خلف حواجز خشبيه وقال رئيس النيابه في مرافعته التاريخيه :
هذة الجريمه من افظع الجرائم وهي اول جريمه من نوعها حتي أن الجمهور الذي حضرها كان يريد تمزيق المتهمين إربا قبل وصولهم الي القضاء هذة العصابه تكونت منذ حوالي ثلاث سنوات وقد نزح المتهمون من الصعيد الي بني سويف ثم الي كفر الزيات وكانت سكينه من بنات الهوى لكنها لم تستمر لمرضها وكان زوجها في كفر الزيات يدعي انه يشتغل في القطن لكنه كان يشتغل بالجرائم والسرقات بعد ذلك سافر المتهمان حسب الله وعبدالعال واتفقت سكينه
وريا علي فتح بيوت للهوي وكان كل من يتعرض لهما يتصدي له عرابي الذي كان يحميهما وكان عبدالرازق مثله كمثل عرابي يحمي البيت اللي في حارة النجاة وثبت من التحقيقات ان عرابي هو الذي اشار علي ريا بفتح بيت شارع
علي بك الكبير اما عن موضوع القضيه فقد حصل غياب النساء بالتوالي وكانت كل من تغيب يبلغ عنها وكانت تلك طريقه عقيمه لان التحريات والتحقيقات كانت ناقصه مع ان البلاغات كانت تحال الي النيابه وتامر الادارة بالبحث
والتحري عن الغائبات الي ان ظهرت الجثه فعدلت الداخليه طريقه التحقيق عمن يبلغ عنها واخر من غابت من النساءكانت فردوس يوم ١٢ نوفمبر وحصل التبليغ عنها يوم ١٥ نوفمبر واثناء عمل التحريات والمحضر عن غيابها




كان احد الناس وهو المدعو مرسي وهو ضعيف البصر يحفر بجوار منزل ريا فعثر علي جثه بني ادم فاخبر خاله الذي ابلغ
البوليس وذهب البوليس الي منزل ريا للاشتباه لانها كانت تبخر منزلها لكن الرائحه الكريهه تغلبت علي البخور فكبس
البوليس علي المنزل وسالت ريا فكانت اول كلمه قالتها ان عرابي حسان هو القاتل بعد ان ارشدت عن الجثث وتم
العثور علي ثلاث جثث واتهمت ريا احمد الجدر وقالت ان عديله كانت تقود النساء للمنزل واتضح غير ذلك وان عديله
لم تذهب الي بيت ريا الا مرة واحدة وان اتهامها في غير محله واعترفت سكينه ايضا اعترافا اوضح من اعتراف ريا
ثم احضر حسب الله وعبدالعال وامامهما قالت ريا وسكينه نحن اعترفنا فاعترف كل منهما اعترافات لا تشوبها أيشائبه وعندما بدا رئيس النيابه يتحدث عن المتهمه امينه بنت منصور قالت امينه انا مظلومه فصاحت فيها سكينه من
داخل قفص الاتهام ازاي مظلومه وفي جثه مدفونه في بيتك دي انتي اصل كل شئ من الاول ويستطرد رئيس النيابه
ليصل الي ذروة الاثارة في مرافعته حينما يقول :ان النيابه تطلب الحكم بالاعدام علي المتهمين السبعه الاول بمن فيهم
(الحرمتين)ريا وسكينه لان الاسباب التي كانت تبرر عدم الحكم بالاعدام علي النسوة قد زالت وهي ان الاعدام كان يتم
خارج السجن..اما الان فالاعدام يتم داخل السجن ..وتطلب النيابه معاقبه المتهمين الثاني والتاسع بالاشغال الشاقه
المؤبدة ومعاقبه الصائغ بالحبس ست سنوات. هذا ما حكمت به المحكمة بجلستها العلنية المنعقدة بسراى محكمة
الإسكندرية الأهلية فى يوم
.( الأثنين ١٦ مايو سنة ١٩٢١ الموافق ٨ رمضان سنة ١٣٣٩
رئيس المحكمة
ملاحظة
هذه القضية قيدت بجدول النقض تحت رقم ١٩٣٧ سنة ٣٨ قضائية وحكم فيها من محكمة النقض والإبرام برفض
. الطعن فى ٣٠ أكتوبر سنة ١٩٢١
ونفذ حكم الإعدام داخل الإسكندرية فى ٢١ و ٢٢ ديسمبر سنة ١٩٢١











رد مع اقتباس