مصر موتورز مجتمع السيارات

مصر موتورز مجتمع السيارات (https://www.masrmotors.com/vb/index.php)
-   ثورة الحرية 25 يناير (https://www.masrmotors.com/vb/forumdisplay.php?f=177)
-   -   التحايل "الاخوانى"!! (https://www.masrmotors.com/vb/showthread.php?t=77806)

silverlite 01-09-2012 11:20 AM

رد: التحايل "الاخوانى"!!
 
عبد الناصر والجماعة من الوفاق إلى الشقاق (3)


لولا مباركة الملك فاروق .. لما اختار «الإخوان المسلمين»الهضيبى مرشداً لهم


http://www.almasryalyoum.com//sites/...08/228/222.jpg


سليمان الحكيم

عبدالناصر يرفض اعتقال الهضيبى
■ هل كانت ثورة 23 يوليو ثورة إسلامية أم إخوانية؟
- يؤكد المستشار الدمرداش العقالى- أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى للإخوان المسلمين فى ذلك الوقت- أن الإجابة عن ذلك السؤال هى نعم.. لقد كانت ثورة إسلامية!
ويقول العقالى إن ثورة 23 يوليو حاولت ومنذ اللحظة الأولى لميلادها أن تؤكد وجهها الإسلامى.. وذلك عبر أول قرارات صدرت عن قيادتها، وكانت تلك القرارات هى آخر ما تم الاتفاق عليه بين عبدالناصر والقيادة الشرعية لحركة الإخوان المسلمين- عبدالرحمن السندى- وذلك فى الاجتماع الذى ضمهما يوم 17 يوليو.. أى قبل قيام الثورة بخمسة أيام فقط.
وقد ذهب عبدالناصر إلى الاجتماع مع السندى ليضع معه اللمسات الأخيرة للتحركات المقررة ليلة الثورة.. والقرارات التى ينبغى إصدارها للإعلان عن الوجه الحقيقى لها.. وهو الوجه الإسلامى الذى تم الاتفاق عليه، والذى كانت ملامحه تتمثل فى ضرورة أن تصدر قيادة الثورة- أول ما تصدر من قرارات- قراراً بالإفراج عن جميع المعتقلين من الإخوان المسلمين ومن بينهم قتلة النقراشى باشا رئيس وزراء مصر الأسبق، كما تصدر قراراً باعتقال إبراهيم عبدالهادى وهو رئيس الوزراء الذى نكل بالإخوان وملأ بهم السجون والمعتقلات.. وتأكيداً لوجه الثورة الإسلامى اتفق عبدالناصر والسندى على إطلاق اسم «الحركة المباركة» على عملية التغيير بدلاً من تعبير «الثورة».
ولم يكن هناك محل للخلاف بين عبدالناصر والسندى على كل النقاط السابقة، ولكن بدأ الخلاف حينما طرح السندى مسألة القبض على المستشار الهضيبى، المرشد العام للإخوان المسلمين، والذى كان فاروق قد نجح فى توصيله إلى هذا المنصب على غير رغبة عبدالرحمن السندى الذى كان يعتبر نفسه القائد الشرعى لحركة الإخوان بعد اغتيال حسن البنا.
وكان رأى عبدالناصر أن قراراً تصدره الثورة باعتقال زعيم الإخوان سوف يمحو الانطباع الذى تركته القرارات السابقة فى أذهان الجماهير والذى يطبع الثورة بالطابع الإسلامى الواضح.. وكان ذلك أول الخلافات بين عبدالناصر والقيادة الشرعية لحركة الإخوان.
ولكن عبدالرحمن السندى- وأمام هذا المنطق القوى الذى أبداه عبدالناصر بشأن عملية اعتقال الهضيبى- لم يجد أمامه غير الخضوع لجمال عبدالناصر ولكن بشرط.. هو تأجيل اعتقال حسن الهضيبى انتظاراً لموقفه من القرارات الخاصة بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين وأعضاء التنظيم.. خاصة المتهمين منهم باغتيال النقراشى.. وقال السندى إذا وافق الهضيبى على تلك القرارات وباركها يبقى حراً دون اعتقال.. أما إذا هاجمها، وهنا قال له عبدالناصر «سوف أعتقله فوراً» فوافق السندى.
شرعية الثورة
وفى يوم 19 يوليو- يقول العقالى- أى بعد اجتماع السندى وعبدالناصر بيومين، وقبل قيام الثورة، صدرت إلينا الأوامر- نحن أعضاء الجهاز السرى الذين لم يشملهم أمر الاعتقال، لعدم انكشاف سرنا- بالتوجه فوراً إلى قرى الإسماعيلية الملاصقة لمعسكرات الإنجليز فى منطقة القناة، واحتلال الطريق، وكل الطرق المؤدية إلى مدينة القاهرة، ولم نكن نعلم بالسر من وراء ذلك التحرك المفاجئ، وذهب تفكيرنا إلى أنه ربما قررت قيادتنا إعادة ما كان يعرف باسم «كتائب القناة» وهذه الكتائب التى كانت تنتمى إلى الإخوان وتقوم ببعض الأعمال الفدائية ضد المعسكرات الإنجليزية بمنطقة القناة، ولكنها توقفت عن عملها إثر حريق القاهرة، والأحداث التى تلته.
ولكن بعد قيام الثورة ونجاحها فى الاستيلاء على السلطة بالبلاد عدنا إلى القاهرة ليخبرنا عبدالرحمن السندى بأن ذهابنا إلى القناة بهدف تأمين الثورة ضد القوات الإنجليزية فيما لو تحركت لإجهاض الثورة والدفاع عن الملك.. وأخبرنا السندى أن ذلك كان باقتراح عبدالناصر فى إطار احتياطاته لتأمين الثورة..
وكان عبدالناصر قد قال للسندى إنه لو تحركت القوات البريطانية نحو القاهرة للتصدى لقوات الثورة، فسوف نشتبك معها، ولكن المعركة فى هذه الحالة سوف تكون فى نظر العالم بين جيش وجيش، وربما نجح الإنجليز عبر جهازهم الإعلامى الواسع فى تصوير الثورة على أنها مجرد تمرد فى صفوف القوات المصرية ضد نظام الحكم، وبالتالى فإن هذا التمرد يفتقد إلى الشرعية، وإن تحرك القوات البريطانية للدفاع عن الملك سوف يبدو فى نظر العالم على أنه دفاع عن الشرعية والدستور، ضد حركة تفتقد إلى الشرعية وتخرق الدستور.
من هنا كان إصرار عبدالناصر على ضرورة إشراك الشعب بمختلف طوائفه ضد تحرك القوات البريطانية- أو حتى قوات الملك- فيما لو تحركت تصدياً للثورة. وقد جاء تحركنا إلى منطقة القناة لتحقيق هذا الهدف، انتظاراً للأوامر ليس فقط بالاشتباك مع القوات البريطانية المتحركة من قواعدها بالقناة فى اتجاه القاهرة، بل وتأليب الجماهير على تلك القوات لإظهار الثورة فى إطار شعبى لا يفتقد إلى الشرعية.
وقامت الثورة ولاقت من التأييد الشعبى ما لم يكن فى حسبان أى ممن خططوا لها، وأوفى عبدالناصر بكل التعهدات التى قطعها على نفسه أمام عبدالرحمن السندى، فأفرج عن جميع المعتقلين من الإخوان بمن فيهم قتلة النقراشى، كما أصدر أوامره باعتقال إبراهيم عبدالهادى وأدخله السجن.. إلى آخر ما تم الاتفاق عليه بين عبدالناصر وعبدالرحمن السندى.
الهضيبى يرفض
ولكن ما إن صدرت تلك القرارات حتى هاج حسن الهضيبى وملأ الدنيا ضجيجاً.. رفضاً لقرارات الإفراج عن الإخوان بحجة أنهم إرهابيون وقتلة وسفاكو دماء وأن ذلك ليس من الإسلام الذى يدعو إلى الله «بالحكمة والموعظة الحسنة».. كما قال حسن الهضيبى مبرراً رفضه لقرارات الثورة بالإفراج عن الإخوان المسلمين.
عند ذلك ذهب عبدالرحمن السندى إلى جمال عبدالناصر ليطالبه بالوفاء بوعده الذى كان قد قطعه على نفسه بالقبض على حسن الهضيبى إذا ما هاجم قرارات الثورة بالإفراج عن الإخوان المسلمين.. ولكن عبدالناصر رفض فخرج السندى من عنده غاضباً.
قرر عبدالناصر- الذى كان وزيراً للداخلية فى ذلك الوقت- الاجتماع بالقواعد الطلابية لتنظيم الإخوان المسلمين ليشرح لهم أسباب الخلاف بينه وبين السندى حول مسألة اعتقال الهضيبى.
كنت يومها طالباً بكلية الحقوق فى جامعة فؤاد الأول- جامعة القاهرة الآن- وكنت وكيلاً لرئاسة اتحاد طلابها، فذهبنا للاجتماع بعبدالناصر الذى أخذ يشرح لنا كيف أن اعتقال الهضيبى الآن سوف يثير الكثير من المشاكل والمعوقات فى طريق الثورة الوليدة.. وقال عبدالناصر إن الثورة أعدت مشروعاً لقانون الإصلاح الزراعى، تنوى إصداره خلال أيام، فإذا أصدر أمراً باعتقال الهضيبى الآن فقد تأييد الإخوان للثورة، وهو التأييد الذى تحتاجه الثورة لمواجهة الآثار المحتملة لصدور قانون الإصلاح الزراعى فى أوساط الإقطاعيين والطبقات الغنية والرأسمالية، وإذا فقدت الثورة تأييد الإخوان لها فسوف ينضمون- بطبيعة الحال- إلى صفوف الإقطاعيين فى تحالف مضاد ليست لدى الثورة الوليدة القدرة على مواجهته..
ولهذا فإنه يرفض اعتقال الهضيبى وإثارة الإخوان ضده.. وإن ذلك ليس أكثر من خطوة تكتيكية ولا يعنى أكثر من ذلك.. وإنه مضطر لتحمل الهضيبى وهجومه على الثورة لهذا السبب وحده، كما أنه لا يريد أن يفقد تأييد قواعد الإخوان للثورة بعد أن فقدت تأييد قادتها.
وقال عبدالناصر إنه سوف يؤجل قراره باعتقال الهضيبى حتى صدور قرارات الإصلاح الزراعى، فإذا عارضها الهضيبى عندئذ لابد من اعتقاله.
وقد صدرت قرارات الإصلاح الزراعى بالفعل فى 9 سبتمبر 1952، أى بعد قيام الثورة بشهر ونصف تقريباً، وما كاد الهضيبى يسمع بها حتى ثار ضدها رافضاً.
المواجهة إخوانية.. إخوانية
وهنا ذهب عبدالرحمن السندى إلى جمال عبدالناصر ليطلب منه اعتقال الهضيبى للمرة الثالثة، وربما الرابعة، لكن عبدالناصر رفض أيضاً، كما رفض فى المرات السابقة، فقال له عبدالرحمن السندى إننى أتهمك باللعب على الخلاف بين قيادات الإخوان تمهيداً لتصفية الحركة كلها، لحسابك الخاص، فإما أن تعطى وفاءك للدعوة التى أمثل أنا قيادتها كما جاء فى وصية حسن البنا فتنفذ أوامرى فيما اتفقنا عليه معاً، وإلا كان لك خبئ آخر تنوى القيام به لحسابك وبعيداً عن حركة الإخوان وقيادتها الشرعية.
لم يغضب عبدالناصر لدى سماعه تلك الاتهامات الصريحة التى ألقاها فى وجهه عبدالرحمن السندى، ولكنه تضاحك معه، وأخذ يهدئ من روعه ثم قال له:
لماذا تطالبنى أنا بالقضاء على الهضيبى، وتحملنى مسؤولية دمه أمام الإخوان فى الحركة؟ ولماذا لا تقومون أنتم- فى الجهاز السرى- باتخاذ القرار وتنفيذه بتصفية حسن الهضيبى.. بعيداً عنى، ويعلن الإخوان أنهم صححوا وضعهم بأيديهم، وأنا من جانبى سأقر هذا التصحيح؟!
ابتلع عبدالرحمن السندى الطعم الذى وضعه له جمال عبدالناصر، فأرسل فى يناير 1953 مجموعة من الجهاز الخاص، اقتحمت منزل الهضيبى بعد صلاة الجمعة- وكنت أنا واحداً من تلك المجموعة- وطلبنا منه أن يستقيل، وقال له المتحدث باسم الجماعة محمود فرغل- رحمه الله- «لست مرشدنا ولا نحن اخترناك، وجئنا نطلب منك أن تحل عنا بالحسنى».
كان محمود فرغل أحد المشاركين فى قتل محمود فهمى النقراشى، رئيس الوزراء الأسبق، ودخل المعتقل ليمضى فترة العقوبة حتى أفرجت عنه الثورة ضمن من أفرجت عنهم من الإخوان المسلمين فى أول القرارات التى صدرت عنها.. وهو القرار الذى أثار حفيظة حسن الهضيبى وأخذ يهاجمه، فكان محمود فرغل أكثر الحانقين على الهضيبى بسبب مهاجمته قرار الإفراج عنه وزملائه من قتلة النقراشى باشا.
وحين ذهب فرغل على رأس المجموعة من الجهاز الخاص إلى بيت الهضيبى.. ارتعد الأخير خوفاً ورعباً، ووعد بتقديم استقالته فوراً نزولاً على رغبة الجهاز الخاص، واستأذننا فى الدخول إلى غرفة المكتب ليحضر ورقة وقلماً ليكتب استقالته.
دخل الهضيبى إلى إحدى غرف بيته، وطال انتظارنا، حتى فوجئنا بدخوله علينا ومعه قوة من جنود الشرطة على رأسها أحد الضباط.. وأشار الهضيبى إلينا قائلاً: «هؤلاء هم يا حضرة الضابط».
تظاهر الهضيبى بإحضار ورقة وقلم حين دخل إحدى الغرف ببيته، ولكنه كان ينوى الهرب من الباب الخلفى لمنزله ليستعين بالشرطة فى التخلص منا.. وكانت نقطة الشرطة مجاورة لبيته بالروضة ولا تبعد عنه سوى بضعة أمتار فقط.
فشلنا مع الهضيبى
يبدو أن ضابط الشرطة الذى استعان به الهضيبى للقبض علينا لم يكن يعرف الهضيبى، لم تكن أجهزة الإعلام فى ذلك الوقت بمثل هذا الانتشار الواسع الذى هى عليه الآن، وقد فهمنا ذلك حين بادرنا سائلاً:
«ماذا تريدون من هذا الرجل ولماذا تتهجمون عليه فى بيته؟»
فأجبناه نحن بسؤال جماعى: «هل تعرف هذا الرجل ومن يكون؟»
قال الضابط: إنه مواطن ولا يهمنى أن أعرف من هو؟
قلنا له: إنه المرشد العام للإخوان المسلمين.
يبدو أن الضابط قد فوجئ فسكت قليلاً ثم قال: ولو.. لماذا جئتم إلى بيته؟
قلنا له: لأننا نحن الإخوان المسلمين!!
سكت الضابط.. وأخذ يتفرس فى وجوهنا مندهشاً، ثم كان علينا أن نزيل إحساسه بالحرج والدهشة فقلنا له: على أى حال.. إذا كان هو لا يريدنا فى بيته، فقد جئنا إليه لنقول له إننا لا نريده فى بيتنا. لم يجد الضابط ما يفعله معنا.. فخرج وتركنا مع الهضيبى الذى طالبنا بالخروج لأننا غير مخولين بقبول استقالته، فخرجنا ونحن نتوعده.
كنا قد اتفقنا مع عبدالرحمن السندى على أننا سوف نحصل من الهضيبى على الاستقالة ونذهب بها إليه فى مقر المركز العام «بالحلمية» ليعقد مؤتمراً عاماً يعلن فيه استقالة حسن الهضيبى من رئاسة الإخوان المسلمين.. ولكنا ذهبنا إلى مقر الحلمية نجر أذيال خيبتنا بعد أن فشلنا فى الحصول على الاستقالة، واجتمع بنا عبدالرحمن السندى وأخذنا نتدارس الموقف من جميع جوانبه وماذا علينا أن نفعل بعد فشلنا فى إقالة الهضيبى.
حل علينا الليل ونحن فى نقاش لا ينتهى مع عبدالرحمن السندى، وإذا بنا نفاجأ بجموع تسد جميع الشوارع المؤدية إلى المركز العام للإخوان المسلمين بحى الحلمية، وتعالت هتافاتهم تطالب بإهدار دمنا.
فقد وجدنا أنفسنا محاصرين بتلك الجموع الكبيرة التى تطالب بقتلنا، ولم نكن ندرى ماذا نفعل وكيف نتصرف إزاء هذا الموقف العصيب، ولكن عبدالرحمن السندى بحسه السرى والعسكرى، كان قد تحسب لهذا الأمر جيداً، حين فكر فى
احتمال فشلنا فى الحصول على الاستقالة، ورد فعل الهضيبى إزاء مطالبتنا له بالاستقالة.
كان السندى قد أعد العدة لمثل هذا الموقف المحتمل، فأمر مجموعة من أنصاره بحمل المدافع الرشاشة واحتلال سطح المبنى المقابل لمبنى المركز العام وكان مخصصاً لجريدة الإخوان.. حتى إذا نجح الهضيبى فى تأليب أنصاره وتحريكهم ضدنا، تعامل معهم أنصارنا من حملة المدافع.
وحتى لا تقع مذبحة لا نريدها، أمسك عبدالرحمن السندى «بميكروفون» وأخذ يطالب الجموع التى حشدها الهضيبى ضدنا بالابتعاد والتفرق وإلا فسوف تحصدهم المدافع من فوق أسطح المنازل.. عندئذ تفرق البعض مؤثراً السلامة، وبقى الكثيرون منهم ليطلقوا الهتافات ضدنا.. وأخذنا فى التراشق بالهتافات، نحن من نوافذ مبنى المركز العام.. وهم بالشارع، حتى كانت الساعة الواحدة ليلاً، حينما فوجئنا بدخول ثلاثة رجال علينا مخترقين الحصار المضروب حولنا.
عبدالناصر المنقذ
كان هؤلاء الثلاثة هم: جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، وعبدالعزيز كامل الذى كان عضو مكتب الإرشاد بالإخوان المسلمين وكانت تربطه علاقة وثيقة بجمال عبدالناصر لم نكن نعلم من أمرها شيئاً.. وقد تبين لنا فيما بعد أن الذى كان ينصح عبدالناصر بعدم اعتقال الهضيبى كما نصحه بعدم التمادى فى توطيد العلاقة مع عبدالرحمن السندى، هو عبدالعزيز كامل..
دخل عبدالناصر إلى حيث يجلس عبدالرحمن السندى وقال له: يا أخ عبدالرحمن.. ألم أقل لك إن النهر قد جرت فيه مياه كثيرة؟ هذه هى الجموع التى لم أكن أريد معاداتها للثورة، أو معاداة الثورة لها، ولكنك لم تكن تريد أن تصدقنى.
قال عبدالرحمن السندى معك حق.. قالها وطأطأ رأسه متحاشياً النظر فى عينى عبدالناصر الذى كان يبدو ساعتها منتشياً بصدق رؤيته للأمور.
وبدأ عبدالعزيز كامل فى الكلام فقال: يا أخ عبدالرحمن إن ترتيب بيتنا من الداخل كان يقتضى مهادنة حسن الهضيبى، ولكنكم أنتم الذين ربيتم له أنياباً وأطلتم له أظفاره، وجعلتم أصحاب المصلحة فى معاداة الثورة يلتفون حوله وإن كانوا من غير الإخوان.
على إثر ذلك، استقرت الأوضاع لصالح الهضيبى الذى خرج من المحنة أقوى مما كان قبلها، فقد أخذ الانطباع مما جرى له فى الأيام الأخيرة، بأنه أقوى من أن يقاوم، وقد ساعده ذلك على مزيد من التعنت فى وجه عبدالناصر وقطع الطريق على كل محاولات التفاهم أو الالتقاء التى كان يمكن أن تحدث بينه وبين جمال عبدالناصر، مما سارع فى دفع الأمور بينهما إلى التصادم.
الضربة الأخيرة
لقد أدرك الهضيبى أنه فى سباق مع الزمن، فلابد أن يستغل هذا النصر الذى حققه فى أول موقعة له مع الجهاز السرى، فى تجريد ذلك الجهاز الجبار من بقية أسلحته، كما أدرك أيضاً أن له من الجماهيرية ما يساعده على الوقوف فى وجه الثورة وإملاء شروطه عليها دون أن يخضع هو لشرط من شروطها.
أصدر الهضيبى قراراً بفصل جميع الإخوان الأعضاء بالجهاز السرى وكل المتعاطفين معهم مثل الشيخ الغزالى وصالح عشماوى وأحمد عادل كمال وأحمد زكى حسن، وقد رد الغزالى على قرار الهضيبى بكتابة عدة مقالات اتهم فيها حسن الهضيبى صراحة بـ«الماسونية».. وقال إن حركة الماسونية العالمية نجحت فى زرع الهضيبى وتنصيبه مرشداً عاماً للإخوان المسلمين.
أما عبدالرحمن السندى فقد أصابه الإحباط، فقرر التوارى والانزواء جانباً، وقد بدأ عبدالناصر فى الإحساس بأن هناك قوى أخرى فى الشعب المصرى يحظى بتأييدها، بعيداً عن الإخوان المسلمين، وأن تلك القوى الشعبية تدين له بالولاء لما قدمه لها من مكاسب خاصة فى صفوف العمال والفلاحين، وقد تساعده تلك القوى الشعبية فى التخلص من ربقة الإخوان المسلمين وحرصه الدؤوب على إرضائها، فهى قوى تحمله ولا يحملها كما هو الحال مع الإخوان المسلمين الذين كان يشعر معهم بأنه مطالب بدفع فواتير المشاركة وتقديم الحسابات مقابل التأييد.. أما تأييد القوى الجديدة له فكان تأييداً بلا ثمن.. أو حسابات أو فواتير مطالب بسدادها أولاً بأول.
وكان عبدالناصر هو صاحب الفضل مع مؤيديه من القوى الجديدة.. بعكس القوى القديمة المؤيدة له من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشعرون بأنهم هم أصحاب الفضل عليه وليس هو.
فى هذا الوقت الذى شعر فيه كل من حسن الهضيبى.. وجمال عبدالناصر بقوته وجماهيريته، كان لابد أن يقع الصدام بينهما.. وقد كان صداماً مروعاً أشبه ما يكون بالصدام بين نجمين أو نيزكين من نيازك الفضاء!

silverlite 01-09-2012 12:04 PM

رد: التحايل "الاخوانى"!!
 
عبد الناصر و الجماعة من الوفاق إلى الشقاق (4)



عبدالناصر يقرر حل «الإخوان المسلمين».. ثم يذهب لزيارة قبر حسن البنا «ليشكو له الجماعة» !

سليمان الحكيم


الهضيبى يستعد

ويقول الدمرداش العقالى: إنه فى اللحظة التى بات كل من الهضيبى وعبدالناصر يشعر فيها بقوته.. كان الصدام واقعاً بينهما لا محالة.
وقد بدأ الهضيبى فى إعداد العدة، استعداداً للحظة الاشتباك، فأصدر أوامره بفصل جميع أعضاء الجهاز السرى من التنظيم الخاص، الذى كان بزعامة خصمه اللدود عبدالرحمن السندى، ثم راح يشكل جهازه السرى الخاص الذى عهد به إلى يوسف طلعت.. وهو الذى راح ينتقى العناصر الموالية للزعيم حسن الهضيبى، بصرف النظر عن كون تلك العناصر تتمتع بالسرية المطلوبة من قبل تلك التنظيمات، مما أعطى الانطباع بأن الهضيبى يسعى لتكوين ميليشيا خاصة لتدافع عنه، ويهاجم بها ولتحقيق بعض المآرب السياسية الخاصة وليس الغرض من تشكيلها خدمة الدعوة كما كان الأمر فى السابق حين فكر حسن البنا فى إنشاء ذلك الجهاز.
كان التنظيم السرى الجديد الذى عمل الهضيبى على تشكيله أداة لـ«الصدام» وليس أداة لـ«الدعوة»، وقد فرضت الظروف المحيطة فى ذلك الوقت هذا الهدف على زعيم الإخوان فرضاً، فقد كانت ظروفاً صدامية تمتلئ بالصراعات والمشاكل.. سواء كانت بين الإخوان والإخوان، أو بين الإخوان وعبدالناصر.
والغريب هنا أن يلجأ الهضيبى إلى تشكيل الجهاز السرى، وهو الذى كان فى حربه ضد عبدالرحمن السندى لا يجد ما يبرر به طلبه لحل هذا الجهاز غير شعار «لا سرية فى الإسلام».. ولكن مع توالى الأحداث وتشابكها كان يستحيل على «الهضيبى» أن يضمن سرية التشكيل لهذا الجهاز الجديد، فهى ظروف متسارعة لا يمكن معها العناية بالتربية الفردية للأعضاء، كما كان يحدث فى أيام الأستاذ حسن البنا.. إنما العناية فقط فى التحقق من الولاء للأستاذ الهضيبى.. وبالتالى فإن الولاء فى التنظيم الجديد كان للهضيبى شخصياً، وليس للدعوة كما كان الحال أيام البنا.
وقد ساعدت تلك الظروف على تسرب عدد غير قليل من أعضاء الجهاز القديم إلى تشكيلات الجهاز الجديد، بما فى ذلك يوسف طلعت نفسه، رئيس الجهاز، الذى كان عضواً بارزاً فى الجهاز القديم برئاسة عبدالرحمن السندى.. وقد شرع يوسف طلعت - مستفيداً من خبرته السابقة - فى تشكيل الخلايا بالقرى والمدن والمحافظات، ومنها خلية إمبابة برئاسة المحامى هنداوى سيد أحمد دوير، وهى الخلية التى قدر لها أن تلعب الدور الأكبر فى الصراع بين عبدالناصر والإخوان حينما وصل الصدام بينهما إلى قمته الدراماتيكية.

الصدام مبكراً
وحينما علم عبدالناصر بمحاولة الهضيبى إعادة بناء الجهاز السرى ليكون أداته فى الصراع بين الثورة والإخوان، حاول من جانبه وأد تلك المحاولة بأن بدأ الاشتباك مبكراً قبل أن ينجح الهضيبى فى استكمال بناء جهازه السرى، ليقضى على تلك المحاولة فى مهدها.
انتظر عبدالناصر الفرصة المناسبة لبدء الهجوم حتى جاءته يوم ١٢ يناير ١٩٥٤، وهو اليوم الذى كان مقرراً لإقامة احتفال بجامعة القاهرة بذكرى الشهداء من طلاب الجامعة.. وفى هذا الاحتفال بدأ الطلاب المنتمون للجهاز السرى للإخوان فى الاشتباك مع الطلاب المنتمين لهيئة التحرير، وهو أول التنظيمات السياسية التى أقامتها الثورة، وقام الطلبة الإخوان بحرق سيارة جيب عسكرية فى حرم الجامعة.
أدرك عبدالناصر أن الهضيبى بدأ يستعرض قوته الجديدة، متعجلاً الاشتباك مع الثورة لإرهابها.. حتى لا تفكر فى التعرض للجهاز الجديد قبل أن ينجح فى بنائه كاملاً.. ولكن عبدالناصر الذى لم تكن ترهبه مثل تلك المحاولات قبل التحدى مقرراً حل جماعة الإخوان المسلمين.
وفى أعقاب ذلك أراد عبدالناصر - الذى تفتقت عبقريته السياسية مبكراً - أن يشعر القيادات القديمة للإخوان المسلمين، والشارع السياسى المصرى بأنه فى صراع فقط مع قيادة الهضيبى، وليس مع الإسلام.. أى أن صراعه مع الإخوان صراع سياسى، وليس صراعاً دينياً، فتوجه بعد أيام من إصداره قرار حل جماعة الإخوان المسلمين إلى قبر حسن البنا، وبرفقته عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفى مشهد تاريخى وقف عبدالناصر أمام القبر ليخطب مناشداً قواعد الإخوان، أنه لم يكن أبداً نقيضاً للإسلام، وليس لديه ما يدعو إليه غيره، وأنه جندى مخلص من كتائب الدعوة الإسلامية، والنهوض بأوطانه.
وقد كان عبدالقادر عودة، القطب الإخوانى البارز، وعبدالرحمن البنا، شقيق حسن البنا فى استقبال عبدالناصر عند وصوله إلى القبر، وبعد أن ألقى عبدالناصر كلمته، رد عليه عبدالرحمن البنا قائلاً: إن مجيئك هنا يؤكد زعامتك لهذه الأمة وانتماءك الصحيح لدينها الحنيف، وإخلاصك غير المنقوص للدعوة إليه، وطلب عبدالرحمن البنا من جمال عبدالناصر أن يفرج عن الإخوان المعتقلين الذين كانت قد مضت أيام على اعتقالهم فى أحداث جامعة القاهرة.
وقد نجح عبدالناصر بحنكته السياسية التى دفعته لاتخاذ تلك الخطوة فى سحب البساط من تحت أقدام خصمه حسن الهضيبى، فقد لاقت كلمته المؤثرة التى ألقاها على قبر البنا استحسان الكثيرين من قواعد الإخوان وقياداتهم، وخففت فى نفوسهم الأثر السيئ الذى أحدث قراره بحل الجماعة.

الإخوان مطلوبون
وفى أواخر فبراير من نفس العام ١٩٥٤ اشتدت وطأة الصراع بين عبدالناصر ومحمد نجيب داخل مجلس قيادة الثورة للأسباب التى يعلمها الجميع.. وقد حاول كل منهما أن يستقطب الإخوان إلى جانبه، فقام عبدالناصر باتخاذ قرار مفاجئ للجميع، بأن أفرج عن جميع الإخوان المعتقلين بمن فيهم حسن الهضيبى خصمه اللدود، وزاد المفاجأة وقعاً بأن توجه فى مساء نفس يوم الإفراج إلى منزل الهضيبى ليزوره ويطيب خاطره، ولكن الهضيبى قابل هذه المبادرة باستعلاء وعجرفة تجلت واضحة فى لحظة مغادرة عبدالناصر لبيت الهضيبى الذى لم يكلف نفسه مصاحبة عبدالناصر حتى باب الخروج من المنزل.
وجاءت أحداث ٢٥ مارس التى عرفت فى التاريخ باسم «أزمة مارس» والتى اشتد فيها الصراع بين عبدالناصر ومحمد نجيب والتى لعب فيها الإخوان دوراً مؤثراً، وهنا يجب التوقف قليلاً عند علاقة عبدالناصر بالمرحوم عبدالقادر عودة الذى تسبب إعدامه مع آخرين فى تعقيد الموقف بين عبدالناصر والإخوان.
لقد كانت العلاقة بين عبدالقادر عودة وعبدالناصر حسنة جداً، حتى إنها لم تتأثر باشتداد الخصومة والصراع بين عبدالناصر والهضيبى، وحينما أصدر عبدالناصر قراره باعتقال قيادات الإخوان كان عبدالقادر عودة هو الوحيد من بينهم جميعاً الذى استثنى من قرار الاعتقال، بل سمح له بزيارة السجن الحربى حيث كان الإخوان يمضون فترة الاعتقال.
وكان عودة يحاول جاهداً خلال زيارته تلك التقريب بين قيادات الإخوان وعبدالناصر سعياً لعقد المصالحة بين الجانبين.. وكان يقول - ويكرر - إنه لا يوجد مبرر للصدام مع عبدالناصر أو الثورة، قد يوجد مبرر للخلاف ولكنه لا يرقى إلى مستوى الصدام، خاصة أن كل القرارات التى اتخذها عبدالناصر حتى الآن لها ما يسندها فى الشريعة الإسلامية.
هذا هو رأى عبدالقادر عودة الذى كان يجاهر به فى وجوه الإخوان فى ذلك الوقت، فما الذى حدث إذن حتى ما كاد ينتهى عام ١٩٥٤ حتى كان عبدالقادر عودة معلقاً على أعواد المشانق بأمر عبدالناصر.

مؤامرة شيوعية
كان الشيوعيون فى ذلك الوقت يحاولون الإيقاع بين عبدالناصر والإخوان، وفى الصراع المحتدم بين الطرفين - عبدالناصر والإخوان - أخذ الشيوعيون جانب الإخوان ضد عبدالناصر.
نجح الشيوعيون فى تنظيم مظاهرة طلابية كبيرة خرجت من جامعة القاهرة متجهة إلى قصر عابدين، وقد أطلق الشيوعيون - بخبث - بعض الشعارات الإسلامية لاستقطاب قواعد الإخوان فى هذه المظاهرة، وكانت تلك الشعارات تطرح بالتدريج إلى أن وصلوا إلى ميدان التحرير كانت الشعارات «إسلامية - قرآنية».. وحين وصلوا إلى ميدان عابدين بدأت الهتافات فى الهجوم على عبدالناصر.
لقد خرجت تلك المظاهرة الحاشدة بعد أيام فقط من قرار عبدالناصر بالإفراج عن الإخوان المسلمين، الذى كان عبدالناصر يتصور أنه بمجرد صدوره فسوف تتم المصالحة بينه وبين الإخوان المسلمين، ثم إنه توجه - فى إشارة واضحة - إلى بيت الهضيبى لتطييب خاطره، وإن كان اللقاء الذى تم بينهما قد جاء فاتراً، إلا أنه لم يكن يستوجب مثل هذا التصعيد وهذه الدرجة من تسخين الأجواء وتسميمها.
وقد زاد الأمر تداعياً أن أحد الإخوان البلهاء السذج - وفى الإخوان كثيرون من هذا الطراز - توجه إلى عبدالقادر عودة بمكتبه بميدان الأوبرا وكان معه إبراهيم الطيب، وقد حاول ذلك الإخوانى استغلال خصومة كانت واضحة بين عودة والهضيبى حين عزله الهضيبى من منصب وكيل الجماعة وجاء مكانه برجل آخر هو محمد خميس حميدة، مما ترك أثراً سيئاً فى نفس عبدالقادر عودة تجاه المرشد العام حسن الهضيبى.
كانت الخصومة بين عودة والهضيبى أمراً معروفاً لكل إخوانى، فجاء هذا الأخ إلى عبدالقادر عودة ليقول له: من الذى أمر بتحريك هذه المظاهرة الضخمة أمام قصر عابدين؟ وكان عبدالقادر عودة لا يعلم شيئاً من أمر هذه المظاهرة، فكان طبيعياً أن يسأل محدثه: أى مظاهرة تقصد؟
قال الرجل بخبث: أليس لك علم بها؟! كيف وأنت القيادى الإخوانى البارز؟ أيقن أن خصمه الهضيبى هو الذى قام بتحريك تلك المظاهرة فأراد أن يفسد عليه الطبخة، وفى نفس الوقت لم يكن عودة يريد - مخلصاً - تفاقم الخصومة بين الإخوان وعبدالناصر، فقرر التوجه فوراً إلى ميدان عابدين القريب من مكتبه ليقود المظاهرة بنفسه ويوجهها بعيداً عن الهجوم على الثورة وعبدالناصر.
وما إن وصل عودة إلى مكان المظاهرة حتى رآه بعض الشيوعيين الخبثاء، فرفعوه على الأعناق عنوة، وقد كان عودة رجلاً عاطفياً جياشاً وتعالت الهتافات الشيوعية الخبيثة «الله أكبر ولله الحمد» ثم وضعوا فى أيديه وهو على أعناقهم قميصاً ملوثاً بدم أحد القتيلين، اللذين كانا قد سقطا برصاص الجيش أثناء تصديه للمظاهرة عند كوبرى قصر النيل، وهى فى طريقها إلى قصر عابدين.. وقالوا لعودة إن عشرات القتلى قد سقطوا على كوبرى قصر النيل، فاهتزت عاطفته أمام منظر الدم وعدد القتلى الذين سقطوا كما جاء على ألسنتهم كذباً.
وفى هذه الأثناء ظهر فى شرفة القصر عبدالناصر ومعه عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، فرأوا عبدالقادر عودة وهو يلوح بالقميص الملوث بالدم وهو يهتف «هذا عمل المفسدين.. هذا عمل المجرمين».
ظن عبدالناصر أن عبدالقادر قد تحول عن تأييده له، وأنه هو الذى دبر هذه المظاهرة، ومع ذلك أراد أن يتحقق بنفسه من حقيقة الموقف، وحينما وصل «عودة» اقترب منه عبدالناصر مصافحاً فأبى أن يصافح عبدالناصر معتقداً أن المظاهرة للإخوان المسلمين، وأن القتلى الذين سقطوا كانوا منهم، وأنهم قُتلوا بأمر من جمال عبدالناصر، وفى نفس الوقت رأى عبدالقادر عودة أنه أصبح الآن فى الموقف الذى يسمح له بكسب تأييد الإخوان وثقتهم على حساب خصمه اللدود حسن الهضيبى، وأنه برفضه السلام على عبدالناصر أمام هذه الحشود الكبيرة التى كان يعتقد أنها من الإخوان المسلمين، سوف تعطيه ورقة يلعب بها مع الهضيبى على زعامة الإخوان وقيادتهم، فوقف فى شرفة قصر عابدين على مقربة من عبدالناصر ليخطب فى المتظاهرين، خطبة حماسية انتهت بأن طلب منهم الانصراف.. فانصرفوا طائعين! وحينما رأى عبدالناصر المتظاهرين وهم ينصرفون صاغرين بمجرد أن طلب منهم عبدالقادر عودة ذلك، ازداد اعتقاده بأنه هو الذى دبر تلك المظاهرة ووجهها للهتاف ضده وضد الثورة، فأسرّها فى نفسه.

حسابات الأضداد
وبمجرد أن تخلص جمال عبدالناصر من محمد نجيب استدار بوجهه ليصفى حساباته مع الإخوان الذين ساندوا نجيب وتحالفوا معه، والحقيقة أن محمد نجيب، وقبل أن يشتد صراعه حدة مع عبدالناصر، أرسل رسله للاتصال بالإخوان طلباً للتأييد والعون ولكن الإخوان رفضوا الوقوف مع نجيب ليس حباً فى عبدالناصر - بطبيعة الحال - أو خوفاً منه فقد كانت تقديراتهم للموقف تقول إنهم لو تركوا عبدالناصر ونجيب يتصارعان بقواهما الذاتية دون معاونة منهم لأى من الطرفين، فإنهما سوف ينتهيان بالفناء معاً بما يفتح الطريق لهم لكى يتقدموا فيه دون مزاحمة، أما إذا قدموا مساعدتهم لأى من الطرفين فسوف يقوى موقفه بهم فيخرج منتصراً ليستدير عليهم فى نهاية الأمر.. ولهذا أصدر الهضيبى تعليماته للإخوان بأنه لا شأن لنا بالصراع الدائر بين (العسكر).
أما عبدالناصر فقد دخل الصراع مع نجيب وعينه لا تزال على الإخوان المسلمين، مقدراً أنه إذا لم يتمكن من استمالتهم إلى جانبه، فلا أقل من أن يحيّدهم، أو يحيّد بعضهم على الأقل، فتوجه بالحوار مع قطب إخوانى كبير كان لا يزال يثق به، وهو الشيخ محمد فرغلى، وهو واحد من مؤسسى جماعة الإخوان فى مدينة الإسماعيلية، كما حارب فى فلسطين، وهناك تعرف على عبدالناصر.

ميثاق البندين
التقى عبدالناصر والشيخ فرغلى ونجح فى إقناعه بأنه لا مبرر للصراع بين الإخوان والثورة، وإن المصلحة الوطنية والدينية تقتضيان أن تتم مراجعة للعلاقة بينهما وأن يتجاوز كل منهما عن أى تجاوز حدث من أحدهما فى حق الآخر، ويعقدا ميثاقاً من بندين.. أولهما أن يقر الإخوان بشرعية الثورة فى أن تحكم مصر لمدة خمس سنوات لا تسأل فيها قيادة الثورة عما تقوم به خلال هذه السنوات الخمس، كما لو كانت تفويضاً شعبياً مدته خمس سنوات، وفى مقابل ذلك أن تطلق الثورة يد الإخوان فى تربية الشباب على الإسلام دون أن يتطرقوا إلى السياسة فى نفس المدة التى اتفقوا عليها، على أن يجرى الحساب بين الطرفين فى نهاية المدة المتفق عليها.. فاقتنع محمد فرغلى ببنود هذا الاتفاق ووقّع مع جمال عبدالناصر على وثيقة مكتوبة تتضمن ما تم الاتفاق عليه تفصيلياً.. وطلب عبدالناصر من الشيخ فرغلى أن يحصل على توقيع بقية أعضاء مكتب الإرشاد ومعهم الهضيبى على وثيقة الاتفاق، فوعده فرغلى بذلك.
وفكر عبدالناصر - بحنكته السياسية المعروفة - أن أعضاء مكتب الإرشاد سوف يرفضون التوقيع على الوثيقة فيكون الشيخ فرغلى شاهداً عليهم، وربما حدث انقسام نتيجة لذلك فى صفوف القيادة الإخوانية، أما إذا وافق الجميع على التوقيع على الوثيقة فسيكون عبدالناصر قد ضمن - على الأقل - حياد الإخوان أو فترة من الهدنة معهم تسمح له بالتفرغ لصراعاته الأخرى.. وهى كثيرة.
بقى عبدالناصر منتظراً الشيخ فرغلى ليأتيه بالتوقيع على وثيقة الاتفاق، ولكنه فوجئ باختفاء قيادات الإخوان وعلى رأسهم المستشار الهضيبى، فلم يكن أى منهم فى بيته، كما لم يظهر فى أى مكان آخر مما اعتاد الظهور فيه.
وحينما علم عبدالناصر بأمر اختفائهم جميعاً، ارتاب فى الأمر، ولم يجد ما يفعله غير الانتظار.. متربصاً.
ولما جاء أكتوبر من عام ١٩٥٤، اكتشف عبدالناصر أن هناك بعض الفلول فى صفوف الجيش، والتى لا يزال ولاؤها لمحمد نجيب، كانت تدبر للقيام بحركة عسكرية بالتعاون مع الإخوان المسلمين بزعامة حسن الهضيبى.. ولولا اختفاء الهضيبى فجأة لما تمكنت أجهزة عبدالناصر من اكتشاف أمر تلك المحاولة، فقد أيقن عبدالناصر أن اختفاء الهضيبى وجماعته فجأة ما كان إلا لتدبير أمر له، فجد فى البحث عن ذلك الأمر مستنفراً كل أجهزته حتى تمكن من اكتشاف تلك المحاولة الانقلابية.
كان الهضيبى قد أصدر أوامره لجميع الأعضاء بجماعته بأنهم لا شأن لهم بما يحدث من صراعات بين العسكريين، خاصة بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر، وحين وصلت تلك التعليمات إلى هنداوى دوير، رئيس الجهاز السرى بإمبابة، بدأ فى حسبة فردية يجريها لحسابه الخاص، وكانت تلك الحسبة تتلخص فيما حدث فى ميدان المنشية بالإسكندرية وهو ما عرف باسم «حادث المنشية» الذى تعرض فيه جمال عبدالناصر للاغتيال على يد محمود عبداللطيف، أحد أعضاء الجهاز السرى لتنظيم الإخوان المسلمين.
تقول الحكومة إن عملية الاغتيال كانت بتدبير مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان، خاصة عبدالقادر عودة وحسن الهضيبى.. وهذا ليس صحيحاً.. بينما يقول الإخوان إنها مجرد تمثيلية أخرجتها الحكومة لتكون مبرراً للقضاء على الإخوان المسلمين.. وهذا أيضاً ليس صحيحاً.. فقد كان حادث المنشية حادثاً فعلياً واقعياً وحقيقياً تعرض فيه جمال عبدالناصر لمحاولة الاغتيال الفعلى على يد أحد أعضاء الجهاز السرى للإخوان، ولكن دون علم قيادات الإخوان التى تحملت مسؤولية ما حدث، والحقيقة أن المسؤولية فى ذلك كانت تقع على هنداوى دوير، رئيس الجهاز السرى للإخوان فى إمبابة.

silverlite 01-09-2012 12:33 PM

رد: التحايل "الاخوانى"!!
 
عبد الناصر و الجماعة من الوفاق إلى الشقاق (5)


حادث المنشية كان حقيقياً.. ولكن لماذا قال الإخوان إنه تمثيلية ؟!


سليمان الحكيم

هذه هى حقائق حادث المنشية

كلما اقترب عبدالناصر من الإخوان خطوة، ابتعد الإخوان عنه خطوتين، ومع كل محاولة كان يقوم بها عبدالناصر للوصول إلى حل لصراعه مع الإخوان، كانت تقابلها محاولات من جانبهم لتعقيد المسألة أكثر.
فقد رأينا كيف أنه بعد يومين فقط من قراره بالإفراج عنهم، استجابوا لدعوة الشيوعيين للقيام بمظاهرة ضده وضد الثورة، وفى الوقت الذى كان يتقرب فيه من عبدالقادر عودة وفرغلى وآخرون، كان هؤلاء جميعاً يعملون لحسابهم الخاص، وفى إطار طموحاتهم الشخصية، وبينما كان عبدالناصر يراهن على اقترابه من الإخوان، كان الإخوان يراهنون على صدامهم معه، فكان عبدالناصر يرى أن اقترابه من الإخوان واقتراب الإخوان منه سوف يساعد على حل صراعاته على الجبهات الأخرى داخل مجلس قيادة الثورة وخارجه، بينما كان الإخوان يرون أنه بتصادمهم مع عبدالناصر -ولو افتعالاً- سوف يعملون على حل صراعاتهم مع بعضهم البعض. فالمكسب فى نظر أى منهم كان يقاس ببعد المسافة بينه وبين عبدالناصر، بينما كان عبدالناصر يرى مكسبه بقرب المسافة بينه وبينهم.
ولعل أصدق دليل على ذلك ما حدث فى ميدان المنشية، فيما عرف باسم «حادث المنشية»، الذى جرت فيه محاولة اغتيال عبدالناصر بالرصاص على يد محمود عبداللطيف، الذى جنده هنداوى دوير، رئيس الجهاز السرى بإمبابة، لإتمام عملية الاغتيال لحسابه الخاص، ومن وراء ظهر قيادة الإخوان، حين رأى هنداوى أن كلاً منهم يعمل لحسابه الخاص لإزاحة الآخرين من طريقه.. فأراد هو أن يتقدم الجميع وعلى حسابهم بعملية يجريها لحسابه الخاص.
يروى المستشار الدمرداش العقالى حقيقة ما حدث فى ميدان المنشية.. وخلفياته التاريخية، مزيحاً الستار لأول مرة عن بعض التفصيلات التى تساعد المؤرخين فى كشف حقيقة هذا الحادث الغامض، الذى كان يمثل لغزاً محيراً لكل من الفريقين.. الإخوان وأنصارهم، وعبدالناصر وأنصاره.
ويقول العقالى: إن الهنداوى دوير- وكان شابا يعمل بالمحاماة- قد أدرك أن الإخوان لا يريدون مساعدة محمد نجيب فى صراعه مع عبدالناصر، ففكر هو فى تقديم المساعدة له شخصياً حتى إذا خلصه من عبدالناصر تم حسم الصراع لصالح نجيب، الذى لابد أن يكافئ هنداوى لقاء ما قام به من خدمة جليلة.

تمثيلية واقعية
كان عبدالرحمن السندى -الزعيم القديم للجهاز السرى- يراقب الموقف من بعيد، وكان له بعض الأنصار فى صفوف الجهاز السرى الجديد، الذى قام الهضيبى بتشكيله عقب إزاحة السندى والتخلص منه، وعن طريق هؤلاء الأنصار علم السندى بالمؤامرة التى يدبرها هنداوى دوير لاغتيال جمال عبدالناصر.
ويقول الإخوان فى تدليلهم على أن حادث المنشية كان مجرد تمثيلية دبرها جمال عبدالناصر للتخلص منهم، إن الرصاص الذى أطلقه الفاعل محمود عبداللطيف، كان «فشنك»، فى الوقت الذى تمكنت فيه الرصاصة الأولى التى خرجت من مسدسه من إزالة جزء كبير من المنصة الاسمنتية، التى كان يقف عليها جمال عبدالناصر، بينما لم تتمكن رصاصة أخرى من الرصاصات التى أطلقت من إحداث نفس الأمر، مما يعنى أنها كانت رصاصات «فشنك»، وأن الرصاصة الأولى فقط هى التى كانت حقيقية.
ويضيف الإخوان، أن الاتفاق قد جرى بين أجهزة عبدالناصر التى دبرت التمثيلية وبين الفاعل على أن يطلق الرصاصة الأولى وهى حقيقية فى المنصة، ثم يطلق بقية الرصاصات «الفشنك» على جمال عبدالناصر.
ولكن ذلك لم يحدث بطبيعة الحال، والذى حدث أن عبدالرحمن السندى حين علم بمؤامرة هنداوى دوير لقتل عبدالناصر، أراد أن يفشل المحاولة دون أن يعلم جمال عبدالناصر، وذلك فى إطار حسابات دقيقة أجراها السندى فى ذلك الوقت، فهو شديد الحرص على حياة عبدالناصر وبقائه على رأس السلطة، إذ باغتياله سيقوى موقف الهضيبى الذى لابد أن يستدير بعد ذلك ليفتح ملف الثورة من جديد، خاصة أن العهد بقيامها لايزال حديثاً، فيصفى الجهاز السرى القديم بكل أعضائه وعلى رأسهم بطبيعة الحال عبدالرحمن السندى، ومعه كل الذين شاركوا عبدالناصر فى التخطيط للثورة.


السندى يحبط المحاولة
أما لماذا لم يخطر عبدالرحمن السندى جمال عبدالناصر بالمحاولة عند علمه بها، فذلك لأنه أراد أن تقع المحاولة فعلاً لتزيد من نقمة عبدالناصر على حسن الهضيبى فيقرر إعدامه.. وهو القرار القديم الذى ظل السندى يسعى لاستصداره، ولكن عبدالناصر كان يرفض اتخاذه، فمن ناحية أراد السندى أن تتم المحاولة ومن ناحية أخرى أراد أن تكون محاولة فاشلة للإبقاء على حياة عبدالناصر حماية له هو شخصياً.. فكيف يتحقق ذلك؟
لم يكن عبدالرحمن السندى مجرد عضو عادى فى التنظيم السرى، وهو تنظيم عسكرى مسلح، بل كان زعيمه ومؤسسه الذى يتمتع بخبرة كبيرة فى إطلاق النار وعلى دراية تامة بالحالة النفسية التى يكون عليها الشخص حين يشرع بإطلاق النار وسط الناس وفى الأماكن العامة.. وكان يعلم -كما قال لخاصته بعد الحادث- أنه يستحيل على هذا الشخص الذى يهم بإطلاق النار وسط الزحام مع حالة الخوف والرهبة، أن يحكم التصويب من الطلقة الأولى، ولكن يعود إلى التحكم فى تصويبه حينما يندمج بعد خروج الطلقة الأولى، التى يقضى بها على حالة التردد والرهبة التى كانت تنتابه عند الاستعداد للضرب وإطلاق الرصاصة الأولى.. فيحكم التصويب فى الرصاصات التالية.


خبرة طويلة
كانت تلك هى قناعات عبدالرحمن السندى التى أدركها بالخبرة الطويلة فى مجال العمل السرى والعسكرى ولهذا أرسل إلى محمود عبداللطيف، أحد أنصاره، ليبيت معه فى الفندق الذى أمضى فيه الليلة السابقة على الحادث، وهناك نجح فى حشو المسدس المستخدم برصاصة حقيقية واحدة هى الرصاصة الأولى التى قدر لها عبدالرحمن السندى أن «تطيش». ثم أكمل بقية الخزنة برصاصات من النوع «الفشنك» وهى التى قدر السندى لها أن تكون محكمة التصويب.
وجاءت تقديرات عبدالرحمن السندى للموقف سليمة مائة بالمائة فخرجت الطلقة الأولى لتزيل جانباً من المنصة، أما بقية الرصاصات فلم تحدث أى منها أى أثر بما يعنى أنها كانت رصاصات «فشنك» وذلك ما جعل الإخوان يقولون إنها تمثيلية، ولم تكن كذلك أبداً، والذى رأى عبدالناصر أو حتى سمعه فى تلك اللحظة- لحظة إطلاق الرصاص عليه- يستحيل أن يصدق وجود ذرة واحدة من الشك فيما حدث، فقد خرجت تعبيراته وكلماته عفوية وتلقائية لرجل تعرض للموت فعلاً، وليس افتعالاً أو تظاهراً.
الجريمة والعقاب
وبعد انتهاء العملية اعتقد عبدالناصر أن وراءها عبدالقادر عودة الذى كشف عن مشاعره الحقيقية تجاهه، حين قاد مظاهرة ضده بعد يومين فقط من إفراج عبدالناصر عن المعتقلين من الإخوان بناء على طلب عبدالقادر عودة نفسه، فقد دخل فى روع عبدالناصر أن «عودة» كان يقترب منه فقط بهدف الإفراج عن الإخوان، ليكسب بذلك نقطة فى صراعه مع الهضيبى حول زعامة الإخوان بينما هو فى حقيقة الأمر لا يضمر له غير الشر والحقد.
أما الآخر، الذى انصرف ذهن عبدالناصر إليه شريكا فاعلاً فى عملية اغتياله فهو الشيخ محمد فرغلى، الذى اعتقد عبدالناصر أنه وافقه على وثيقة الهدنة، لمجرد أن يصرفه فقط عما يدبره له فى الخفاء.
ويقول الشيخ الباقورى، فى مذكراته، إنه بعد أن أصدرت محكمة الثورة أحكامها بإعدام الإخوان المتهمين بقتل عبدالناصر، وجىء بالأحكام للتصديق عليها من المجلس المشترك بين مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء وهو المخول بالتصديق على الأحكام، قال جمال عبدالناصر إن الأحكام التى صدرت قد أحدثت أثرها، لمجرد صدورها ولا أرى أى داع لتنفيذها إلا على محمود عبداللطيف فقط والعفو عن الجميع ما عدا الفاعل الحقيقى.. وهو محمود عبداللطيف.
ويقول الباقورى، وقد كان حاضراً الاجتماع، بصفته وزيراً للأوقاف، إن جمال سالم ما إن سمع عبدالناصر يقول ذلك، حتى تظاهر بالخروج إلى دورة المياه ثم عاد ليقف خلف جمال عبدالناصر واضعاً المسدس فى رأسه قائلا له «انت بتعمل محكمة أحكم فيها أنا بالإعدام عليهم ثم تصدر أنت عفواً عنهم، فتكون أنت ملاك الرحمة فى نظرهم وأكون أنا الشيطان الذى يستحق القتل؟!».
ومضى جمال سالم فى تهديده لجمال عبدالناصر: «إما أنك توقع على تنفيذ الحكم فوراً والآن، وإما أن أقتلك فوراً والآن!!»


تنفيذ الإعدام
كان جمال سالم قد اتفق مع أحمد أنور، قائد السجن الحربى، الذى أودع فيه المتهمون على أنه بمجرد سماع إذاعة خبر التصديق على الأحكام من الإذاعة ينفذ فى المتهمين حكم الإعدام فوراً، كما اتفق مع أخيه صلاح سالم على إذاعة الخبر من الإذاعة فوراً.. وبقى الاجتماع منعقداً تحت تهديد جمال سالم حتى أذيع الخبر من الإذاعة وتم تنفيذ حكم الإعدام فى المتهمين، رغم أنف جمال عبدالناصر وضد رغبته.
وقد تبين من التحقيقات التى أجرتها النيابة أن الهضيبى لم يكن له أى دخل فى عملية الاغتيال، ولكن رأت المحكمة أن عدم علمه لا يخلى مسؤوليته عما حدث، فهو المسؤول الأول عن تنظيم حاول بعض أفراده اغتيال رئيس الجمهورية، فتم تخفيف حكم الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة نظراً لكبر السن، كما قالت المحكمة فى حيثياتها، وكان الهضيبى فى ذلك الوقت قد وصل السبعين عاماً.
أما قول الإخوان بأن المسدس- أداة الجريمة- قد ضاع وأن وجوده ضرورى لتحقيق الجريمة، فهو حجة واهية، نظراً لأن الرصاصات قد أطلقت فعلاً وسمعها الجميع، ولابد أنها أطلقت من مسدس. فالمهم هنا هو إطلاق الرصاص وليس المسدس الذى أطلقت به، لأن العملية ليست مجرد شروع فى قتل بمسدس ضبط أو لم يضبط. المهم أن عبدالناصر لم يعتقل أحداً من الجهاز السرى الخاص القديم الذى كان قد تشكل فى عهد حسن البنا، والذى كان برئاسة عبدالرحمن السندى، لأن عبدالناصر كان يعلم أن قاعدة ذلك الجهاز سليمة وذلك بحكم معرفته القديمة التى استقاها من انتمائه له فترة طويلة واطلاعه على الكثير من أموره السرية والغامضة، وكانت كل الاعتقالات التى تمت بعد حادث المنشية من أعضاء الجهاز السرى الجديد برئاسة يوسف طلعت الذى كان يدين بالولاء للمستشار حسن الهضيبى شخصياً.
أعود إلى تأكيد أن عبدالناصر كان إخوانياً خالصاً مخلصاً، ولكن كونه إخوانياً ملتزماً لا ينفى أنه كان كإنسان يحرص على أن يوجد مركز قوة آمناً.
والمهم هنا أنه فى أعقاب حادث المنشية، وكنتيجة مباشرة له، ظفر عبدالناصر بالساحة المصرية منفرداً، ثم تلاحقت الأحداث تدعمه وتعزز مركزه زعيماً وطنياً وعربياً وإسلامياً من طراز خاص، وجاء تأميمه لقناة السويس وأحداث العدوان الثلاثى وخروجه منتصراً سياسياً، لتساعد على ترسيخ مكانة عبدالناصر محلياً وعربياً وإسلامياً، حتى جاءت الوحدة مع سوريا.
ولعل ما حدث فى أول زيارة له لسوريا يكفى لأى مؤرخ دقيق أن يقول: هاهو الإخوانى القديم، بمجرد أن غادر الساحة المصرية التى عانى فيها من التناقض الإخوانى وجاء إلى ساحة جديدة برزت فيها إخوانيته فى التعامل مع ظروف الحركة فى سوريا بالدليل، وبمجرد أن وصل عبدالناصر إلى سوريا، كان الموقف أمامه يتلخص فى أن الذين طالبوا بالوحدة وعملوا لها هم ضباط الجيش السورى وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش عفيف البزرى وأكرم الحورانى وصلاح البيطار، وهم يمثلون مختلف القوى السياسية على الساحة السورية، ما عدا قوة واحدة لم تأت إلى القاهرة، ولم تطالب بالوحدة مع عبدالناصر، لأنها كانت تشعر أنها قوة نقيضة، وهى قوة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها مصطفى السباعى، المرشد العام فى سوريا.
وكان مصطفى السباعى قد أقام سوريا وأقعدها ضد عبدالناصر فى أعقاب حركة الإعدامات التى قام بها فى صفوف الإخوان المسلمين بمصر بعد حادث المنشية الشهير، وكان السباعى وقتها عضواً بمجلس النواب السورى، واستطاع أن يهيج المجلس كله ضد عبدالناصر فى ذلك الوقت، فكان طبيعياً ألا يطالب بالوحدة مع مصر تحت زعامة عبدالناصر.

كما كان طبيعاً أيضاً أنه حينما يذهب عبدالناصر إلى سوريا حاكماً أن يكون الخائف الوحيد منه هو مصطفى السباعى، ومعه بقية جماعة الإخوان السوريين، وهذا ما جرى، بمجرد وصول عبدالناصر إلى دمشق، اجتمع الإخوان السوريون وقرروا الهرب وإخلاء الساحة السورية لعبدالناصر كما خلت له الساحة المصرية، حتى لا يعرضوا أنفسهم للتنكيل على يديه.. فقد كان هذا هو المصير الوحيد الذى تخيلوه لأنفسهم فى العهد القريب.


المفاجأة.. ولكن
وبينما السباعى فى بيته يعد العدة للهرب إلى بيروت، فوجئ فى اليوم التالى لوصول عبدالناصر إلى دمشق بوصول عبدالحميد السراج، رئيس المكتب الثانى بالمخابرات السورية، على رأس قوة عسكرية من عدة سيارات تحاصر بيته، فأيقن السباعى أن أجله قد حان وبأسرع مما كان يتوقع.
صعد السراج إلى بيت السباعى وحينما قابله فوجئ به قائلاً: السيد السباعى.. رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبدالناصر يستأذنك فى الزيارة ببيتك العامر!
جلس عبدالناصر فى مواجهة الشيخ مصطفى السباعى ليقول له: يا شيخ مصطفى قبل أن أسمع رأيك فى مسألة الوحدة وموقفك منها، أريدك أن تسمع منى قصتى مع الإخوان منذ عام ١٩٤٢، وحتى الآن، وأنا أقبل حكمك بينى وبينهم، فإذا رأيتنى مخطئاً فمعنى ذلك أننا مختلفون وأعطيك الفرصة لتذهب إلى أى مكان آمن ولا شأن لى بك.. أما إذا أعطيتنى الحق فأنا أطالبك بالوقوف معى دون تردد.
أخذ عبدالناصر يقص على السباعى وقائع العلاقة بينه وبين الإخوان ثم ظروف وملابسات الخلاف مع حسن الهضيبى، وصولاً إلى حادث المنشية وما جرى بعده، وحينما انتهى من قصته قال له السباعى، إن الوحدة العربية عندى هى عودة الروح للإسلام، فهى وحدها- إذا خلصت النوايا- عين الإسلام، وحتى أعلن هذا على الملأ لأؤكد لك أننى ملتزم بما أعلن، ألتمس منك وقد تفضلت بزيارتى أن أخرج معك الآن لنزور قبر صلاح الدين، لتقول على القبر نقيض ما قاله «غورو» القائد الفرنسى حين دخل دمشق مع قواته «ها قد عدنا يا صلاح الدين»!
ذهب عبدالناصر فعلاً وفى صحبته مصطفى السباعى، المرشد العام للإخوان المسلمين فى سوريا، إلى قبر صلاح الدين، وهناك ألقى خطابه الشهير الذى قال فيه: «لقد قامت فى الشرق دولة لا شرقية ولا غربية تحمى ولا تهدد تصون ولا تبدد تشد أزر الصديق.. وترد كيد العدو»! وقد استغضب عبدالناصر بقوله هذا كلاً من البعثيين والشيوعيين.. بينما شعر كل إخوانى مخلص أنه هو الذى كان يتحدث.
ربما يقول البعض إن عبدالناصر قد فعل ذلك ليستقطب الإخوان المسلمين، ولكن الدليل على أنه كان جاداً ويعنى ما يقول أن الشيوعيين والبعثيين اعتبروا كلمة عبدالناصر رسالة موجهة لهم، فقرروا مغادرة سوريا، مخلين الساحة لعبدالناصر وجماعة الإخوان المسلمين وحدهم!
وجاء السباعى إلى مصر ليتصل برموز الإخوان فيها، مؤكداً لهم أنه إذا ضاع عبدالناصر فلن تعوضه الحركة الإسلامية، وأن خلافهم مع عبدالناصر لا مبرر له خاصة أن كل ما يقوم به يصب فى إطار الشريعة الإسلامية ولا يخرج عنها، وأنه من غير المقبول ولا المعقول أيضاً، أن يكون الإخوان المسلمون مع الصهاينة والغرب والشيوعيين فى صف واحد ضد عبدالناصر، وضد الوحدة.. بحجة أن القومية العربية نقيض للإسلام، أو أن الوحدة العربية نقيض للوحدة الإسلامية.
وأخذ السباعى يشرح للإخوان المصريين حقيقة رأيه المؤيد والمناصر لجمال عبدالناصر ويطالبهم باتخاذ نفس الموقف الذى يمليه عليه ضميره الإسلامى وحرصه على النهوض والتقدم.
من ناحيته، ظل عبدالناصر حريصاً على تقريب مصطفى السباعى منه، بعد أن وجد فيه العوض عن الإخوان المصريين، وحينما فكر عبدالناصر فى إجراء حركة التأميمات بسوريا، ذهب إلى السباعى ليستطلع رأيه، ويستفتيه، فأفتاه السباعى، بأن الاشتراكية هى عين الإسلام، وأنه لا تناقض بينهما، فالإسلام قام على العدل الاجتماعى الذى هو القاعدة فى كل من الاشتراكية والإسلام، وقد وضع السباعى كتابه الشهير «الاشتراكية فى الإسلام» ليؤكد به رأيه المؤيد لعبدالناصر فى قرارات التأميم، التى جرت فى كل من مصر وسوريا.
فى الوقت الذى كان فيه الإخوان فى مصر يهاجمون القرارات الاشتراكية ويصفون اشتراكية عبدالناصر بالكفر والإلحاد والخروج على الإسلام، كما هاجموا فى السابق قوانين الإصلاح الزراعى، حين اعتبرها الهضيبى عدواناً على أموال الناس وأكلها بالباطل، وكانوا بهذه المعارضة يؤكدون انحيازهم الكامل لطبقة الإقطاعيين، «كان الإخوان المسلمون فى سوريا مع جمال عبدالناصر فى كل ما اتخذه من خطوات اشتراكية إسلامية».

I.fouad 01-09-2012 12:44 PM

رد: التحايل "الاخوانى"!!
 
:10CC26~164: !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

silverlite 01-09-2012 12:56 PM

رد: التحايل "الاخوانى"!!
 
عبد الناصر و الجماعة من الوفاق إلى الشقاق (6)

عبدالناصر يختار سيد قطب نائباً له فى أول تنظيم للثورة!!


سليمان الحكيم

انقلاب قطب على الثورة وانضمامه للإخوان

لم تكد حلقة من حلقات الصراع بين عبدالناصر والإخوان تنتهى، حتى يبدأوا معه حلقة أخرى، ولكنها كانت من بين جميع الحلقات، الأكثر ضراوة ودموية.. فما كان لعبدالناصر أن ينتهى من صراعه مع حسن الهضيبى، حتى ظهر له سيد قطب.
وقد جاء ظهور سيد قطب فى صفوف الإخوان- بل وعلى رأسهم- فى إطار سياسة «الخطف» التى اتبعها الجانبان كل منهما ضد الآخر، فبعد أن نجح عبدالناصر فى «اختطاف» عدد من الإخوان إلى صفه، مثل الشيخ الباقورى وعبدالعزيز كامل وأحمد حسنى وغيرهم، نجح الإخوان بدورهم فى اختطاف سيد قطب من صفوف عبدالناصر ليكون مفكرهم بعد أن كان مفكر الثورة ومنظرها الأول.
ويروى الدمرداش العقالى تفاصيل تلك الحلقة، التى جاءت تحت عنوان «سيد قطب من الثورة إلى الثورة المضادة».. متتبعاً بداياتها الأولى التى هى نفسها بدايات سيد قطب مع الثورة.
كان سيد قطب أديباً مشهوراً قبل أن يعرفه الناس «قطباً» من أقطاب الإخوان المسلمين، وهو كأديب كان يتصف بالنرجسية الشديدة واعتداده بنفسه، وقد أوقعه ذلك فى تناقض مبكر مع المرحوم الشيخ حسن البنا، الذى رأى فى سيد قطب أنه يتشابه معه فى صفات كثيرة أولها أن كليهما كان «درعمياً» أى خريج كلية دار العلوم، ولكن الشيخ حسن البنا كان ينفرد عن أبناء جيله فى أنه بدأ يبنى صرحه الذى يقوم على صناعة الأفكار وصناعة الرجال. أما سيد قطب فقد كان من فريق «الوراقين»، أى أنه كان يعيش فى عالم بناه من الورق قراءة وكتابة، وربما كان اعتداده بنفسه هو الذى جعله يتحاشى التعامل مع الناس ومع الواقع، فلما رأى زميله «الدرعمى» يملأ السمع والبصر، صيتاً وشهرة، كان يمقت عليه ذلك ويحسده، ولا أقول من قبيل التحليل، بل أنا شاهد عليه وكنت أول راصديه.
فقد كان سيد قطب خال زوجتى وهو من قرية موشى التابعة لأحد مراكز محافظة أسيوط. وكان أحمد محمد موسى ابن شقيقته، وشقيق زوجتى من أتباع حسن البنا وأحد المنخرطين فى صفوف الإخوان المسلمين، وكان سيد قطب إذا جاء إلى قريته والتقى مع ابن شقيقته الإخوانى ومعه عدد كبير من رفاقه أتباع حسن البنا، كان يكثر من سباب حسن البنا أمامهم، وفى بعض المرات سمعته يسأل ابن اخته هذا: «ماذا فعل بك حسن الصباح وجماعة الحشاشين»؟!
كان سيد قطب كثيراً ما يعقد مقارنات بين جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة «الحشاشين» الشهيرة الذين كان يتزعمهم «حسن الصباح»، والذى كان سيد قطب يرى- فى ذلك الوقت من أواسط الأربعينيات- شبهاً كبيراً بينه وبين حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين، فكان ابن اخته حين يسمع خاله سيد قطب يقول ذلك عن جماعته وزعيمها، يدخل فى شجار عنيف معه، لم يكن ينتهى إلا بتدخلنا لإنهائه.

قطب الاشتراكية
قد ظل سيد قطب على عدائه الشديد لجماعة الإخوان المسلمين وزعيمهم حسن البنا، حتى سافر إلى أمريكا مبعوثاً من وزارة المعارف، وكان على رأسها فى ذلك الوقت طه حسين، وحين عاد من هناك عين مستشاراً لوزارة المعارف، ولكنه كان قد تحول خلال الفترة التى أمضاها فى أمريكا فأصبح شديد العداء للرأسمالية والمجتمع الرأسمالى، شديد التأييد للاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
عاد سيد قطب من أمريكا لا ليكتب فى الأدب والنقد كما كان يفعل قبل أن يسافر إليها، بل عاد ليكتب فى الاشتراكية مطعما كتاباته فيها باجتهادات إسلامية. فكتب كتابه الذى جاء بعنوان «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» ثم كتاب «معركة الإسلام والرأسمالية»، وهو من أخطر ما كتب سيد قطب على الإطلاق، فهو يعقد فى هذا الكتاب حلفاً بين الإسلام والشيوعية، مستبعداً أى تلاق بين الإسلام والرأسمالية، ويقول إن الشيوعية اجتهاد للبحث عن العدل أقحمت نفسها فى الكلام عن الدين بغير مبرر، وعادت الدين بغير مقتضى، ولكنها وصلت إلى العدل الاقتصادى والاجتماعى الذى هو أحد، وأهم، أهداف الدين، وأضاف سيد قطب مفسراً أن الشيوعية لو تخلت عن فكرة الإلحاد التى هى ليست من ضرورات المذهب ولا يتطلبها الفكر الاقتصادى، لالتقت مع الإسلام فى العدالة الاجتماعية.
أما الرأسمالية- فى رأى سيد قطب- فإن القرآن فى معظم آياته يطارد الكنز والتراكم ويدعو إلى تداول الأموال بين الأجيال «لكى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم».
حين بدأ سيد قطب فى تطعيم الاشتراكية بالإسلام، كان حسن البنا قد انتقل إلى جوار ربه، فى أوائل الخمسينيات، وبدأ حسن الهضيبى الذى أصبح على رأس الإخوان والذى كان ينكره الإخوان القدامى يبحث عن أنصار له مما جعله يضنى نفسه بحثاً عن إخوان جدد يدينون له بالولاء زعيماً وأباً للجماعة، وقد رأى الهضيبى أن الأعضاء الذين ينضمون للجماعة حديثاً ليس لهم فضل السبق الذى يتميز به الإخوان القدامى على الهضيبى نفسه، فيحول بينه وبين ولائهم له، ولهذا راح الهضيبى يبحث له عن أعضاء جدد يتميز هو عليهم. وقد وجد حسن الهضيبى ضالته المنشودة فى سيد قطب خاصة أن الكثيرين من شباب الإخوان قد استهوتهم دعوته للاشتراكية الإسلامية. ولكن سيد قطب الذى اقترب كثيراً من الإخوان بعد تحوله الغريب والمفاجئ، كان فى اقترابه اشتراكياً، فقد رفض أن يكتب فى مجلة «الدعوة» لسان حال الإخوان المسلمين مفضلاً الكتابة فى مجلة «الاشتراكية».

قطب الثورة وقطب الإخون:
ولما قامت الثورة، وجد سيد قطب نفسه قريباً من جمال عبدالناصر الذى اختاره نائباً له فى «هيئة التحرير» وهى أول تنظيم سياسى تقيمه الثورة بعد أن أصدرت قرارها بحل جميع الأحزاب السياسية.
شكل جمال عبدالناصر هيئة التحرير لتكون بديلاً عن الأحزاب السياسية المنحلة واختير سكرتيراً عاماً لها واختار سيد قطب سكرتيراً عاماً مساعداً. والذى يعود إلى جريدة «الجمهورية» وهى أول جريدة تنشئها ثورة يوليو لتكون لسان حالها، وكان الترخيص بإصدارها باسم جمال عبدالناصر شخصياً، سيجد أن مقالات سيد قطب بها هى المقالات الرئيسية التى تتصدر صفحاتها الأولى، وقد عبر فيها سيد قطب عن ضرورة الثورة والقرارات الثورية التى اتخذتها علاجاً للأوضاع السيئة فى مصر.
وأكثر من ذلك كان سيد قطب هو رسول جمال عبدالناصر إلى التجمعات الطلابية فى المدن الجامعية فى البدايات الأولى للثورة، حين تظاهر طلاب الجامعات مطالبين بالديمقراطية، فذهب إليهم سيد قطب موفداً من عبدالناصر ليشرح لهم الأوضاع السياسية. وكان سيد قطب فى معرض حديثه عن تلك الأوضاع يرى أنه لا مخرج لمصر مما تعانى منه من مشكلات مزمنة ومتضخمة إلا بإطلاق يد الثورة لترتيب البيت الذى تسلمته منهاراً.
وكان سيد قطب يدافع عن موقف جمال عبالناصر مهاجماً الهضيبى وجماعة الإخوان المسلمين. وقد وصل سيد قطب فى هجومه عليه وعليها إلى درجة التأثيم والتجريم، فكان يرى أن أهداف الأمة المتفق عليها لا تتحمل الديمقراطية لأنها أهداف استحكمت فى ضمير الأمة وعقلها الجمعى الباطن. ولذلك فإن تلك الأهداف لا تحتاج إلى ديمقرطية لتحقيقها بل إن تحقيقها هو الذى يفتح الباب أمام الديمقراطية التى ليست شرطاً لتحقيق الجلاء ومحو الأمية والإصلاح الزراعى والتصنيع والتحرير. ولكن الجلاء وخروج الإنجليز والتحرير من الإقطاع والرأسمالية هو الشرط الأساسى لتحقيق الديمقراطية.
هكذا ظل سيد قطب هو مفكر الثورة أو أحد مفكريها وأبواقها فى أوساط الجماهير- طلابية وعمالية وفلاحين- وكان شديد الولاء لجمال عبدالناصر وقوى الإيمان بزعامته. حتى جاء المنعطف الذى حول سيد قطب من مناصر للثورة وزعيمها إلى معاد- شديد العداء- لها.

لماذا تحول؟
كان الإخوان لا يزالون فى محاولاتهم لاستقطاب سيد قطب بما له من كتابات إسلامية تستهوى أعداداً كبيرة من شباب الإخوان، بينما كان سيد قطب نفسه على ولائه للثورة وجمال عبدالناصر يرى فيها تحقيقاً لآرائه التى ينادى بها.
وبعد إقالة وزارة على ماهر- أول وزارة شكلتها الثورة- تقرر تشكيل وزارة جديدة برئاسة محمد نجيب، ففاتح جمال عبدالناصر صديقه سيد قطب فى أمر تعيينه وزيراً للمعارف فى الوزارة الجديدة، التى تجرى المشاورات لتشكيلها، وجاء سيد قطب إلى أصدقائه وأهله ومعارفه ليتحدث معهم فى هذا الأمر، الذى اعتبره وعداً من جمال عبدالناصر وليس مجرد تشاور.
ولكن قبل إعلان التشكيل النهائى للوزارة الجديدة، جاء جمال عبدالناصر إلى سيد قطب ليعتذر له عن وزارة المعارف التى كان قد «وعده» بها، بحجة أن كمال الدين حسين- عضو مجلس قيادة الثورة- كان مصراً على تولى هذه الوزارة بنفسه، وعرض جمال عبدالناصر على سيد قطب وزارة الأشغال بدلاً من وزارة المعارف، التى كان يرى سيد قطب أنه أحق بها من الجميع.

الثمن الغالى:
ولما كان سيد قطب شديد الاعتداد بنفسه، كان يتعامل مع جمال عبدالناصر على أنه «العقل» وعبدالناصر «الجسد» فلا يقبل من الجسد أن يوجه العقل، بل يجب على العقل أن يوجه الجسد! غضب سيد قطب غضباً شديداً واعتبر عبدالناصر مسؤولاً عن ضياع حلمه فى وزارة المعارف التى كان ينتظر تعيينه بها مكافأة له على تأييده للثورة والدعاية لها.. وكتب لأحد أصدقائه وهو حسين عبدالفتاح الترامسى ناظر مدرسة «موشى» الإعدادية بأسيوط يقول له «إن العسكر استكثروا على سيد قطب وزارة المعارف.. والله سأجعلهم يدفعون ثمن استهانتهم بى غالياً».
انزوى سيد قطب بعد ذلك، ولم يعد إلى نشاطه السابق فى هيئة التحرير، بل أخذ يقترب من الإخوان الذين لم يكفوا عن مغازلته حتى وهو فى أحضان الثورة بقده وقديده. وفى نوفمبر عام ١٩٥٣ اقتحمت جماعة شباب الإخوان من أعضاء التنظيم السرى- وكنت واحداً منهم- بيت حسن الهضيبى ليطالبوه بالاستقالة تنفيذاً للاتفاق الذى عقدوه مع زعيمهم عبدالرحمن السندى على إقالة الهضيبى. وأما وقد فشل هؤلاء الشباب فى الحصول من الهضيبى على الاستقالة، فقد اتهم الهضيبى عدداً من قيادات الإخوان بتدبير هذه «المؤامرة» عليه، وكان صالح عشماوى، رئيس تحرير جريدة الدعوة، لسان حال الإخوان المسلمين، واحداً ممن أدانهم الهضيبى بمسؤولية التآمر عليه. فقرر الهضيبى فصل صالح عشماوى ومحمد الغزالى من جريدة الدعوة، بل ومن جماعة الإخوان كلها.
وحين انفصل صالح عشماوى عن الإخوان- وكان صاحب الرخصة لجريدة الدعوة- قرر عشماوى الانفصال بالجريدة وسخرها للهجوم على الهضيبى. عندئذ فكر الهضيبى فى إصدار جريدة أخرى غير «الدعوة» التى انتقلت إلى خصومه، وكان من شروط الترخيص لإصدار جريدة جديدة- ولا يزال- تحديد اسم رئيس التحرير الذى يصدر الترخيص باسمه.
تقدم الهضيبى بطلب إلى وزير الداخلية- الذى كان فى ذلك الوقت هو جمال عبدالناصر نفسه- ليصرح له باستخراج جريدة جديدة باسم «الإخوان المسلمون» محدداً اسم رئيس التحرير وهو سيد قطب إبراهيم!! حين تقدم السكرتير بطلب الترخيص لجمال عبدالناصر وقعه فوراً، بمجرد أن علم أنه طلب من الإخوان إصدار جريدة جديدة، فاندهش السكرتير من السرعة التى رأى عبدالناصر يوقع بها طلب الترخيص، مما حمله على سؤاله: هل تعلم من هو رئيس التحرير؟ فقال عبدالناصر: أياً كان رئيس التحرير، فقال السكرتير له: إنه سيد قطب!
هنا توقف عبدالناصر الذى لم يكن قد قرأ اسم رئيس التحرير على طلب الترخيص، وطلب من سكرتيره أن يستدعى له سيد قطب ليتأكد منه بنفسه، فربما يكون الهضيبى قد وضع اسمه على الطلب دون علمه ليورطه، أو يوقع بينه وبين عبدالناصر. وحين جاء سيد قطب، سأله عدالناصر: هل أنت من الإخوان؟ وكانت هناك واقعة سابقة سأله فيها جمال عبدالناصر نفس السؤال: يا أخ سيد هل أنت من الإخوان؟ فنفى سيد قطب أى علاقة له بالإخوان.
ففى صيف ١٩٥٣، صدر قانون حل الأحزاب السياسية، وكان مجلس قيادة الثورة برئاسة محمد نجيب مصراً بكامل هيئته على أن يشمل قرار حل الأحزاب الإخوان المسلمين باعتبارهم حزباً سياسياً. وكان جمال عبدالناصر هو الوحيد من بينهم جميعاً الذى رفض أن ينطبق قرار الحل على الإخوان. وقال عبدالناصر فى تبريره الذى أبداه أمام المجلس فى ذلك اليوم إن الإخوان المسلمين جماعة دينية تشتغل بالوعظ والإرشاد ولا ينطبق عليها وصف الحزب السياسى. فانقسم مجلس قيادة الثورة إلى قسمين متساويين بين مؤيد للرأى ومعارض له. وهنا تقدم عبدالناصر برأى يحل به مشكلة التعادل فى الانقسام بين أعضاء المجلس.. وقال عبدالناصر إننا عسكريون ولا بد أن نستأنس فى قرارنا برأى أحد المدنيين المتصلين بالشارع السياسى المصرى. فما رأيكم فى سيد قطب، السكرتير المساعد لهيئة التحرير، وقد وافق أعضاء المجلس على حضور سيد قطب اجتماع المجلس ليقول رأيه فى قرار حل الإخوان المسلمين باعتبارهم حزباً سياسياً.
قال سيد إنه ليس مع حل الإخوان المسلمين حرصاً من الثورة على ألا تحارب فى كل الجبهات فى لحظة واحدة، فتخسر الكثيرين من أنصارها ومؤيديها فى وقت هى فى حاجة إليهم لتحارب بهم فى الجبهات الأخرى، ثم- كما قال سيد قطب- إن المبررات التى تكمن وراء قرار حل الأحزاب السياسية لا تتوافر فى الإخوان المسلمين، فالإخوان لم يشاركوا فى السلطة قبل قيام الثورة، ولم يعرفوا بالفساد الذى عرفت بها أحزاب تلك الفترة، كما أنهم كانوا من أنصار «التغيير» الذى اتخذته الثورة شعاراً لها، مما يستوجب التفريق بين أنصار الثورة ومعارضيها.
وبعد أن أعلن سيد قطب رأيه على هذا النحو فى اجتماع مجلس قيادة الثورة، شكره جمال عبدالناصر ثم سأله: هل أنت من الإخوان المسلمين؟ فنفى سيد قطب أى صلة له بالإخوان بل أكد أنه معارض لهم. وحين قدم حسن الهضيبى طلب الترخيص لإصدار جريدة للإخوان المسلمين برئاسة تحرير سيد قطب، استدعاه جمال عبدالناصر ليكرر عليه نفس السؤال: يا أخ سيد.. هل أنت من الإخوان المسلمين؟

فقال سيد قطب: لم أكن.. فكنت!

تصفية حسابات:
وقد أجاب سيد قطب عن السؤالين القديم والحديث، إجابة واحدة، بمعنى أنه لم يكن فى الإخوان المسلمين حين سأله عبدالناصر هذا السؤال أول مرة فى اجتماع هيئة التحرير، ولكنه الآن قد انضم إليهم. قال له جمال عبدالناصر: أنت حر فى أن تنضم لمن تشاء ولكن أرجو ألا يكون ذلك «تصفية حسابات»!!
بدأ سيد قطب بالعمل رئيساً لتحرير جريدة الإخوان المسلمين بعد أن وافقه جمال عبدالناصر على إصدارها، ومنذ العدد الأول للجريدة بدأ قطب هجومه على الثورة وجمال عبدالناصر، مبتكراً شخصية «قرفان أفندى» الكاريكاتورية ليحملها هجومه الذى أراده على المرحلة الجديدة.
ورغم تلك الشخصية الكاريكاتورية التى تهاجم الثورة وأعمالها، لم تنقطع علاقة عبدالناصر بسيد قطب، وفى إحدى المرات سأله عبدالناصر: إيه يا أخ سيد «القرفانين» بيكتروا قوى فى البلد اليومين دول! «فرد عليه سيد قطب قائلاً: إذا كنتم فاكرين إن مافيش حد «قرفان» منكم تبقوا بتغالطوا أنفسكم!!
وحين تخرجت فى الجامعة عام ١٩٥٤، وكنت أول دفعتى بكلية الحقوق جامعة القاهرة، نشرت جريدة الإخوان الخبر مع تهنئة لى فى صفحتها الأولى، فكان ذلك سبباً فى عدم تعيينى معيداً بالكلية أو بالنيابة. وكان ذلك أول ثمن أدفعه لقربى من سيد قطب فى ذلك الوقت!

القطب السجين
وقد ظلت جريدة الإخوان المسلمين فى هجومها على عبدالناصر والثورة ولم يتعرض لها أحد بالمنع أو المصادرة حتى وقع حادث المنشية، فقبض على سيد قطب مع من قبض عليهم من قيادات الإخوان فى ذلك الوقت وقدم إلى المحاكمة، وتم الحكم عليه لمدة خمسة عشر عاماً بتهمة الاشتراك فى تنظيم يستهدف قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة.
دخل سيد قطب السجن، وكانت هناك تعليمات من جمال عبدالناصر شخصياً بمعاملته معاملة حسنة، حتى إنه تمكن من مواصلة قراءاته وكتاباته فكتب معظم مؤلفاته خلال الفترة التى أمضاها فى السجن، وسمح له بطبع كتبه وتداولها، فخرج «فى ظلال القرآن» فى أكثر من طبعة جديدة.
وفى أعقاب إصدار «الميثاق» دارت المناقشات حوله فى أوساط المثقفين المصريين، وكان الرأى الغالب على تلك المناقشات والتفسيرات يتجه نحو الماركسية واليسار، فكثرت الكتابات عن الميثاق كما لو كان اجتهاداً من الشيوعية، وكان ذلك على خلاف ما كان يراه فيه عبدالناصر، وحين فكر عبدالناصر فى الخروج من هذا المأزق الذى وجد الماركسيين يحفرونه له، لم يجد أمامه غير سيد قطب، فهو المفكر الوحيد القادر على أن يفهم الميثاق فهماً إسلامياً يتفق مع فهم عبدالناصر له.
قرر عبدالناصر الإفراج عن سيد قطب وفور خروجه من السجن استقبله فى بيته، وقال له: إن الجماعة الماركسيين افتكروا أن الميثاق فتح لهم الطريق «لمركسة» الثورة، وأنت أعلم بأن الثورة ليست ماركسية ولن تكون، وأنا أريدك أن تكتب عن الإسلام، فى مواجهة الماركسية لإيقاف هذا المد الماركسى عند حده. وهنا سأله سيد قطب: وهل سيتركنى زبانيتك لأكتب ما أراه؟ فقال له عبدالناصر: اكتب ولا شأن لك بهم ولا شأن لهم بك.وفعلاً خرج سيد قطب من مقابلته لعبدالناصر ليكتب أخطر كتبه على الإطلاق: «معالم فى الطريق» الذى يكاد يكون الأساس فى الفكر المتطرف الذى تشهده الساحة الآن. أو «مانيفستو» الإرهاب!
وقد جاءت كتابات سيد قطب فى هذه الفترة لتدعو إلى المفاصلة مع المجتمع وتكفيره.. وطبع كتاب «معالم فى الطريق» أكثر من طبعة جديدة، كانت تنفد كل منها بعد ساعات من إصدارها، وكتب سيف اليزن خليفة رئيس المباحث العامة فى تلك الفترة تقريراً عن الكتاب يصفه فيه بالخطورة على المجتمع. ورفع التقرير إلى جمال عبدالناصر والذى يطلب فيه من رجال المباحث منع الكتاب من الطبع والتداول لخطورته، ولكن عبدالناصر رفض منع الكتاب أو التعرض له، لأنه كان قد قطع عهداً لسيد قطب ألا يسمح لأحد بالتعرض لكتاباته وأن يتركه حراً يكتب ما يشاء.
ورغم الكتب الكثيرة التى وضعها سيد قطب قبل الثورة وبعدها، إلا أنه لم يغنم من ورائها مادياً ما غنمه من كتاب «معالم فى الطريق» الذى ألفه بعد خروجه من السجن، فغير مسكنه من شقة متواضعة إلى فيلا فاخرة فى حلوان. واعتبر ذلك مؤشراً صحيحاً على اندماجه فى المجتمع، وانسجامه مع الأوضاع فيه.. حتى كانت أحداث ١٩٦٥ الدامية.


الساعة الآن 05:02 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
www.MasrMotors.com ™ Copyright ©2008 - 2024
Egyptian Automotive Community
جميع الحقوق محفوظة - مصرموتورز 2008 - 2017